كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 10)

@ 374 @
لا يرون مخالفة أمره ولا العدول عن حكمه فيما سرهم وساءهم فجهز العساكر من عنده مع جماعة من مقدمي الفرنج وأمر غيره من ملوك الفرنج أن يسير بنفسه أو يرسل جيشا ففعلوا ما أمرهم فاجتمعوا بعكا من ساحل الشام وكان الملك العادل أبو بكر ابن أيوب بمصر فسار منها إلى الشام فوصل إلى الرملة ومنها إلى لد وبرز الفرنج من عكا ليقصدوه فسار العادل نحوهم فوصل الى نابلس عازما على أن يسبقهم إلى أطراف البلاد مما يلي عكا ليحميها منهم فساروا هم فسبقوه فنزل على بيسان من الأردن فتقدم الفرنج إليه في شعبان عازمين على محاربته لعلمهم أنه في قلة من العسكر لأن العساكر كانت متفرقة في البلاد فلما رأى العادل قربهم منه لم ير أن يلقاهم في الطائفة التي معه خوفا من هزيمة تكون عليه وكان حازما كثير الحذر ففارق بيسان نحو دمشق ليقيم بالقرب منها ويرسل الى البلاد ويجمع العساكر فوصل الى مرج الصفر فنزل فيه وكان أهل بيسان وتلك الأعمال لما رأوا الملك العادل عندهم اطمأنوا فلم يفارقوا بلادهم ظنا منهم أن الفرنج لا يقدمون عليه فلما أقدموا على غفلة من الناس فلم يقدر على النجاة إلا القليل فأخذ الفرنج كل ما في بيسان من ذخائر قد جمعت وكانت كثيرة وغنموا شيئا كثيرا ونهبوا البلاد من بيسان إلى بانياس وبثوا السرايا في القرى فوصلت إلى خسفين ونوى وأطراف السواد ونازلوا بانياس وأقاموا عليها ثلاثة أيام ثم عادوا عنها الى مرج عكا ومعهم من الغنائم والسبي والأسرى ما لا يحصى كثرة سوى ما قتلوا وأحرقوا وأهلكوا فأقاموا أياما استراحوا ثم جاؤوا الى صور وقصدوا بلد الشقيف ونزلوا بينهم وبين بانياس مقدار فرسخين فنهبوا البلاد صيدا والشقيف وعادوا الى عكا وكان هذا من نصف رمضان الى العيد والذي سلم من تلك البلاد كان مخفا حتى قدر على النجاة ولقد بلغني أن العادل لما سار الى مرج الصفر رأى في طريقه رجلا يحمل شيئا وهو يمشي تارة وتارة يقعد ليستريح فعدل العادل إليه وحده فقال له يا شيخ لا تعجل وارفق بنفسك فعرفه الرجل فقال يا سلطان المسلمين أنت لا تعجل فإنا إذا رأيناك قد سرت إلى بلادك وتركتنا مع الاعداء كيف لا نعجل وبالجملة الذي فعله العادل هو الحزم والمصلحة لئلا يخاطر باللقاء على حال تفرق من العساكر ولما نزل العادل على مرج الصفر سير ولده الملك المعظم عيسى وهو صاحب دمشق في قطعة صالحة من الجيش الى نابلس ليمنع الفرنج عن البيت المقدس

الصفحة 374