كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 10)

@ 376 @
ذلك ملكوا البرج فلما ملكوه قطعوا السلاسل لتدخل مراكبهم من البحر المالح في النيل ويتحكموا في البر فنصب الملك عوض السلاسل جسرا عظيما امتنعوا به من سلوك النيل ثم انهم قاتلوا عليه أيضا قتالا شديدا كثيرا متتابعا حتى قطعوه فلما قطع اخذ الملك الكامل عدة مراكب كبار وملأها وخرقها في النيل فمنعت المراكب من سلوكه فلما رأى الفرنج ذلك قصدوا خليجا هناك يعرف بالأزرق كان النيل يجري عليه قديما فحفروا ذلك الخليج وعمقوه فوق المراكب التي جعلت في النيل واجروا الماء فيه الى البحر المالح واصعدوا مراكبهم فيه الى موضع يقال له بورة على ارض الجيزة ايضا مقابل المنزلة التي فيها الملك الكامل ليقاتلوه من هناك فإنهم لم يكن لهم إليه طريق يقاتلوه في الماء وزحفوا اليه غير مرة فلم يظفروا بطائل ولم يتغير على أهل دمياط شيء لأن الميرة والأمداد متصلة بهم والنيل يحجز بينهم وبين الفرنج فهم ممتنعون لا يصل اليهم اذى وأبوابها مفتحة وليس عليها من الحصر ضيق ولا ضرر فاتفق لما يريد الله عز وجل أن الملك العادل توفي في جمادى الآخرة من سنة خمس عشر وستمائة على ما نذكره إن شاء الله فضعفت نفوس الناس لأنه السلطان حقيقة وأولاده وإن كانوا ملوكا إلا أنهم بحكمه والأمر إليه وهو ملكهم البلاد فاتفق موته والحال هكذا من مقاتلة العدو
وكان من جملة الأمراء بمصر أمير يقال له عماد الدين احمد بن علي ويعرف بابن المشطوب وهو من الأكراد الهكارية وهو اكبر أمير بمصر وله لفيف كثير وجميع الأمراء ينقادون اليه ويطيعونه لا سيما الأكراد فاتفق هذا الأمير مع غيره من الأمراء وأرادوا ان يخلعوا الملك الكامل من الملك ويملكوا أخاه الملك الفائز بن العادل ليصير الحكم اليهم عليه وعلى البلاد فبلغ الخبر الى الكامل ففارق المنزلة ليلا جريدة وسار إلى قرية يقال لها شمعون طناح فنزل عندها واصبح العسكر وقد فقدوا سلطانهم فركب كل انسان منهم هواه ولم يقف الأخ على أخيه ولم يقدروا على أخذ شيء من خيامهم وذخائرهم وأموالهم وأسلحتهم الا اليسير الذي يخف حمله وتركوا الباقي بحاله من ميرة وسلاح ودواب وخيام وغير ذلك ولحقوا بالكامل وأما الفرنج فإنهم اصبحوا من الغد فلم يروا من المسلمين أحذا على شاطئ النيل كجاري عادتهم فبقوا لا يدرون ما الخبر وإذا قد أتاهم من اخبرهم الخبر على حقيقته فعبروا

الصفحة 376