@ 400 @
منهم إلى خراسان فيفرغون منها ملكا وتخريبا وقتلا ونهبا ثم يتجاوزونها إلى الري وهمذان وبلد الجبل وما فيه من البلاد إلى حد العراق ثم بلاد أذربيجان وأرانية ويخربونها ويقتلون أكثر أهلها ولم ينج إلا الشريد النادر في أقل من سنة هذا ما لم يسمع بمثله ثم لما فرغوا من أذربيجان وأرانية ساروا إلى دربندشروان فملكوا مدنه ولم يسلم غير القلعة التي بها ملكهم
وعبروا عندها إلى بلد اللان واللكز ومن في ذلك الصقع من الأمم المختلفة فأوسعوهم قتلا ونهبا وتخريبا ثم قصدوا بلاد قفجاق وهم من أكثر الترك عددا فقتلوا كل من وقف لهم فهرب الباقون إلى الغياض ورؤوس الجبال وفارقوا بلادهم واستولى هؤلاء التتر عليها فعلوا هذا في أسرع زمان لم يلبثوا إلا بمقدار مسيرهم لا غير ومضى طائفة أخرى غير هذه الطائفة إلى غزنة وأعمالها وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان ففعلوا فيها مثل فعل هؤلاء وأشد هذا ما لم يطرق الأسماع مثله فإن الإسكندر الذي اتفق المؤرخون على أنه ملك الدنيا لم يملكها في هذه السرعة إنما ملكها في نحو عشر سنين ولم يقتل أحدا إنما رضي من الناس بالطاعة وهؤلاء قد ملكوا أكثر المعمور من الأرض وأحسنه وأكثره عمارة وأهلا وأعدل أهل الأرض أخلاقا وسيرة في نحو سنة ولم يبت أحد من البلاد التي لم يطرقوها إلا وهو خائف يتوقعهم ويترقب وصولهم إليه ثم إنهم لا يحتاجون إلى ميرة ومدد يأتيهم فإنهم معهم الأغنام والبقر والخيل وغير ذلك من الدواب يأكلون لحومها لا غير وأما دوابهم التي يركبونها فإنها تحفر الأرض بحوافرها وتأكل عروق النبات لا تعرف الشعير فهم إذا نزلوا منزلا لا يحتاجون إلى شيء من خارج وأما ديانتهم فإنهم يسجدون للشمس عند طلوعها ولا يحرمون شيئا فإنهم يأكلون جميع الدواب حتى الكلاب والخنازير وغيرها ولا يعرفون نكاحا بل المرأة يأتيها غير واحد من الرجال فإذا جاء الولد لا يعرف أباه ولقد بلي الإسلام والمسلمون في هذه المدة بمصائب لم يبتل بها أحد من الأمم منها هؤلاء التتر قبحهم الله أقبلوا من المشرق ففعلوا الأفعال التي يستعظمها كل من سمع بها وستراها مشروحة متصلة إن شاء الله تعالى
ومنها خروج الفرنج لعنهم الله من المغرب إلى الشام وقصدهم ديار مصر وملكهم ثغر دمياط منها وأشرفت ديار مصر والشام وغيرها على أن يملكوها لولا لطف