كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 10)

@ 461 @
فتأخر عنهم فقوي طمعهم فظنوه منهزما متبعوه فلما توسطوا العساكر خرجوا عليهم ووضعوا السيف فيهم فقتل اكثرهم وانهزم الباقون الى المدينة فدخلوها وتبعهم المسلمون فلما وصلوا اليها نادى المسلمون من اهلها بشعار الإسلام وباسم جلال الدين فألقى الكرج بأيديهم واستسلموا لأنهم كانوا قد قتل رجالهم في الوقعات المذكورة فقل عددهم وملئت قلوبهم خوفا ورعبا فملك المسلمون البلد عنوة وقهرا بغير أمان وقتل كل من فيه من الكرج ولم يبق على كبير ولا صغير إلا من اذعن بالإسلام وأقر بكلمتي الشهادة فإنهم أبقى عليهم وأمرهم فتختنوا وتركهم ونهب المسلمون الأموال وسبوا النساء واسترقوا الأولاد ووصل الى المسلمين الذين بها بعض الأذى من قتل ونهب وغيره
وهذه تفليس من أحصن البلاد وأمنعها وهي على جانبي نهر الكرج وهو نهر كبير ولقد جل هذا الفتح وعظم موقعه في بلاد الإسلام وعند المسلمين فإن الكرج كانوا قد استطالوا عليهم وفعلوا بهم ما ارادوا فكانوا يقصدون أي بلاد أذربيجان ارادوا فلا يمنعهم عنها مانع ولا يدفعهم عنها دافع وهكذا أرزن الروم حتى إن صاحبها لبس خلعة ملك الكرج ورفع على رأسه علما منه في اعلاه صليب وتنصر ولده رغبة في نكاح ملكة الكرج وخوفا منهم ليدفع الشر عنه وقد تقدمت القصة وهكذا دربند شروان وعظم امرهم الى حد ان ركن الدين بن قلج ارسلان صاحب قونية واقصرا وملطية وسائر بلاد الروم التي للمسلمين جمع عساكره وحشد معها غيرها فاستكثر وقصد أرزن الروم وهي لأخيه طغرل شاه بن قلج ارسلان فأتاه الكرج وهزموه وفعلوا به وبعسكره كل عظيم وكان أهل دربند شروان معهم في الضنك والشدة وأما ارمينية فإن الكرج دخلوا مدينة أرجيش وملكوا قرس وغيرها وحصروا خلاط فلولا أن الله سبحانه من على المسلمين بأسر ايواني مقدم عساكر الكرج لملكوها فاضطر اهلها الى ان بنوا لهم بيعة في القلعة يضرب فيها الناقوس فرحلوا عنهم وقد تقدم تفصيل هذه الجملة ولم يزل هذا الثغر من اعظم الثغور ضررا على المجاورين من الفرس قبل الإسلام وعلى المسلمين بعدهم من اول الإسلام إلى الآن ولم يقدم احد عليهم هذا الإقدام ولا فعل بهم هذه الأفاعيل فإن الكرج ملكوا تفليس سنة خمس عشرة وخمسمائة والسلطان حينئذ محمود بن محمد ابن ملكشاه السلجوقي وهو من اعظم السلاطين منزلة وأوسعهم مملكة وأكثرهم

الصفحة 461