كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 10)

@ 491 @
واستولوا على الري وهمذان وما بينهما من البلاد ثم قصدوا اذربيجان فخربوا ونهبوا وقتلوا من ظفروا به من أهلها وجلال الدين لا يقدم على أن يلقاهم ولا يقدر على منعهم على البلاد قد ملئ رعبا وخوفا وانضاف الى ذلك ان عسكره اختلفوا عليه وخرج وزيره عن طاعته في طائفة كثيرة من العسكر وكان السبب ان غريبا اظهر من قلة عقل جلال الدين ما لم يسمع بمثله وذلك أنه كان له خادم خصي وكان جلال الدين يهواه واسمه قلج فاتفق ان الخادم مات فأظهر من الهلع والجزع عليه ما لم يسمع بمثله ولا لمجنون ليلى وأمر الجند والأمراء ان يمشوا في جنازته رجالة وكان موته بموضع بينه وبين تبريز عدة فراسخ فمشى الناس رجالة ومشى بعض الطريق راجلا فألزمه امراؤه ووزيره بالركوب فلما وصل الى تبريز ارسل الى اهل البلد فأمرهم بالخروج عن البلد لتلقي تابوت الخادم ففعلوا فأنكر عليهم حيث لم يبعدوا ولم يظهروا من الحزن والبكاء اكثر مما فعلوا وأراد معاقبتهم على ذلك فشفع فيهم امراؤه فتركهم ثم لم يدفن ذلك الخصي وإنما كان يستصحبه معه اين ساروا وهم يلطم ويبكي فامتنع من الأكل والشراب وكان اذا قدم له قدم له طعام يقول احملوا من هذا الى قلج ولا يتجاسر احد يقول انه مات فانه قيل له مرة إنه مات فقيل القائل له ذلك إنما كانوا يحملون اليه الطعام ويعودون يقولون إنه يقبل الأرض ويقول إنني اصلح مما كنت فلحق امراءه من الغيظ والأنفة من هذه الحالة ما حملهم على مفارقة طاعته والانحياز عنه مع وزيره فبقي حيران لا يدري ما يصنع لا سيما لما خرج التتر فحينئذ دفن الغلام الخصي وراسل الوزير واستماله وخدعه الى ان حضر عنده فلما وصل اليه بقي أياما وقتله جلال الدين وهذه نادرة غريبة لم يسمع بمثلها
$ ذكر ملك التتر مراغة $
وفي هذه السنة حر التتر مراغة من اذربيجان فامتنع اهلها ثم اذعن اهلها بالتسليم على امان طلبوه فبذلوا لهم الأمان وتسلموا البلد وقتلوا فيه إلا انهم لم بكثروا القتل وجعلوا في البلد شحنة وعظم حينئذ شأن التتر واشتد خوف الناس منهم بأذربيجان فالله تعالى ينصر الإسلام والمسلمين نصرا من عنده فما نرى في ملوك الإسلام من له رغبة في الجهاد ولا في الدين بل كل منهم مقبل على لهوه ولعبه وظلم رعيته وهذا اخوف عندي من العدو وقال الله تعالى { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }

الصفحة 491