عند الحاجة ويتعفف، ويدافع حاله، وينتظر الفرج من خالقه، ومنهم من لا يصبر ويسأل بحسب حاجته، وكفايته، ومنهم من يسأل وهو يحب الاستكثار، وهذا هو الملحف الذي لا تنبغي له المسألة.
ويحتمل أن يكون معناهما واحدًا في نفي السؤال أصلًا. ويحتمل أن يكونا متفقي المعنى في إثبات السؤال، ونفي الإلحاف. فإن قُلْتَ: فكيف قال: "ولا يقوم فيسأل الناس" قيل: في أكثر أمره وغالب حاله يلزم نفسه التعفف عن المسألة، حتىَّ تغلبه الحاجة والفقر ويقع سؤاله نادرًا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يضع عصاه عن عاتقه" (¬1) أي غالبًا، وكما قال: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سَوي" (¬2).
وقد تحل لهم في بعض الأوقات. ومن كان سؤاله عند الضرورة وفي النادر فليس بملحف، واسم التعفف أولى به، بدليل حديث عطاء بن يسار السالف. وقال قتادة: ذكر لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله تعالى يبغض الغني الفاحش البذيء والسائل الملحف" (¬3) وقال أبو هريرة:
¬__________
(¬1) رواه مسلم (1480) كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، من حديث فاطمة بنت قيس.
(¬2) روي من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو، فحديث أبي هريرة رواة النسائي 5/ 99 كتاب: الزكاة، باب: إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها، وابن ماجه (1839) كتاب: الزكاة، باب: من سأل عن ظهر غنًى، وأحمد 2/ 377 - 389، والحاكم في "المستدرك" 1/ 407 كتاب: الزكاة. وحديث عبد الله بن عمرو، رواه أبو داود (1634) كتاب: الزكاة، باب: من يعطى من الصدقة وحد الغنى، والترمذي (652) كتاب: الزكاة، باب: ما جاء من لا تحل له الصدقة، وأحمد 2/ 164، 192، والحاكم في "المستدرك" 1/ 407 كتاب: الزكاة، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1444). وصحح الحديثين معًا في "الإرواء" (877).
(¬3) رواه الطبري في "تفسيره" 3/ 100 (6229)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 1/ 634 وعزاه إلى ابن جرير وابن المنذر.