كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 10)

فجعل له حلوبة، وجعلها وفق عياله أي: قدر قوتهم. وقال ابن سيده: المِسْكين والمَسْكين، الأخيرة نادرة؛ لأنه ليس في الكلام مَفْعيل: الذي لا شيء له. وقيل: الذي لا شيء له يكفي عياله.
وقال أبو إسحاق: هو الذي أسكنه الفقر فخرجه إلى معنى مفعول (¬1)، والفقر ضد الغنى. وقدر ذَلِكَ أن يكون له ما يكفي عياله. وقد فقر فهو فقير والجمع: فقراء. والأنثى: فقيرة من نسوة فقائر.
وحكى اللحياني نسوة فقراء، ولا أدري كيف هذا. وقال القزاز: أصل الفقر في اللغة: من فقار الظهر، كأن الفقر كسر فقار ظهره، فبقي له من جسمه بقية يدل عليه الشعر السالف. والفَقر والفُقر، والفتح أكثر. وأما ابن عديس فسوى بينهما.
قال القزاز: والناس يجعلون المِسْكِين هو الذي معه شيء، وليس كذلك، ذاك الفقير. وأما المسكين: فالذي لا شيء معه، والفرق في الاشتقاق، لأن المْسِكين مِفْعِيل من السكون، وإذا انقطعت حركة الإنسان لم يبق له شيء. واحتج من جعل المسكين من له شيء بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] فجعل لهم سفينة، ومعنى هذا عند قوم أنه لم يرد فقرهم، ولكن جرى الخطاب على معنى الترحم كما تقول: ما تصنع ها هنا يا مسكين؟ على معنى الترحم. وكما قال - صلى الله عليه وسلم - لقيلة: "يا مسكينة عليك بالسكينة" (¬2).
¬__________
(¬1) "المحكم" 6/ 449.
(¬2) رواه ابن سعد في "طبقاته" 1/ 317 - 320 مطولًا، والطبراني في "الكبير" 25/ 7 - 11 (1)، وابن عبد البر في "التمهيد" 19/ 152 - 153 مختصرًا، وذكره الهيثمي في "المجمع" 6/ 10 - 12 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

الصفحة 508