كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 10)

واختلف العلماء في هذا الباب: فقال مالك: الذي سمعته من أهل العلم والسنة أن الشهداء لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، ويدفنون بثيابهم التي قتلوا فيها (¬1). وهو قول عطاء والنخعي والحكم والليث والشافعي وأحمد وأكثر الفقهاء (¬2)، كما حكاه عنهم ابن التين، وقال أبو حنيفة والثوري والمزني والأوزاعي: يصلى عليه، ولا يغسل. وهو قول مكحول ورواية عن أحمد (¬3)، وقال عكرمة: لا يغسل؛ لأن الله قد طيبه، لكن يصلى عليه (¬4). وقال سعيد بن المسيب، والحسن البصري كما حكاه ابن أبي شيبة: يغسل ويصلى عليه؛ لأن كل ميت يجنب (¬5).
حجة الأولين حديث جابر أنه لم يغسلوا ولم يصلَّ عليهم -بفتح اللام- وأيضًا فلا يغير حالهم، ويوم أحد قتل فيه سبعون نفسًا، فلا يجوز أن تخفي الصلاة عليهم؛ ولأنه حي بنص القرآن؛ ولأن القتل قد طهره، والله قد غفر له، ويأتي يوم القيامة بِكَلْمه ريح دمه مسك. واحتج أبو حنيفة ومن وافقه بحديث عقبة في الباب، وبما روي أنه صلى على حمزة سبعين صلاة (¬6)، وأجاب الأولون بأن
¬__________
(¬1) انظر: "المدونة" 1/ 165.
(¬2) انظر: "المجموع" 5/ 221، 225، "المغني" 3/ 467.
(¬3) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 399، "المجموع" 5/ 221، "المغني" 3/ 467.
(¬4) رواه عبد الرزاق 3/ 545 (6649) كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد وغسله.
(¬5) "المصنف" 2/ 458 (10999) كتاب: الجنائز، باب: الرجل يقتل أو يستشهد.
(¬6) رواه عبد الرزاق 3/ 546 (6653) كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد وغسله، وابن سعد في "الطبقات" 3/ 16، وابن عدي في "الكامل" 4/ 439 ترجمة (814)، والخطيب في "تاريخه" 4/ 365 ترجمة (2230)، وفيه: سعيد بن =

الصفحة 58