كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 10)

فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اختَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَق. فَهذَا يَوْمُهُمُ الّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ. هَدَانَا اللهُ لَهُ (قَال: يَوْمُ الْجُمُعَةِ) فَالْيَوْمَ لَنَا. وَغَدا لِليَهُودِ. وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى"
ــ
أمرهم بتعظيم يوم في الأسبوع فاختلف اجتهادهم في تعيينه فعينت اليهود السبت لأن الله سبحانه وتعالى فرغ فيه من الخلق، وعينت النصارى يوم الأحد لأن الله تعالى بدأ فيه الخلق فألزم كل واحد منهم ما أدى إليه اجتهاده وعينه الله لهذه الأمة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم فضلًا منه ونعمة، ويدل على صحة هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: "فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه" أي في تعيينه (هدانا الله له) أي بتعيينه لنا لا باجتهادنا، ومما يؤيده أنه لو عين لهم فعاندوا فيه لما قيل اختلفوا فيه، وإنما كان ينبغي أن يقال فخالفوا فيه وعاندوا، ومما يؤيده أيضًا ما سيأتي في الرواية آخر الباب من قوله "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا" اهـ من المفهم.
قال المازري: الحديث يدل أن يوم الجمعة عين لهم وأمروا بتعظيمه فتركوه وغلبوا القياس فغلبت اليهود السبت للفراغ فيه من الخلق وظنت ذلك فضيلة توجب عظم اليوم، وعظمت النصارى الأحد لما كان ابتداء الخلق فيه، واتبع المسلمون الوحي الوارد في تعظيم الجمعة فعظموه اهـ. (قلت): الأظهر أنه عين لهم لأن السياق دل على ذمهم في العدول عنه فيجب أن يكون عين لهم لأنه لو لم يعين ووكل التعيين إلى اجتهادهم لكان الواجب عليهم تعظيم يوم لا بعينه اهـ من الأبي (فهدانا الله) سبحانه وتعالى أي وفقنا (لما اختلفوا فيه من الحق) الذي هو يوم الجمعة (فهذا) اليوم الذي نعظمه يعني يوم الجمعة هو (يومهم الذي) أمروا بتعظيمه و (اختلفوا فيه) ف (هدانا الله) أي وفقنا (له) أي لتعظيمه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم هو أي اليوم الذي اختلفوا فيه (يوم الجمعة) ولفظ النسائي (يعني يوم الجمعة) وهو واضح أي يعني النبي صلى الله عليه وسلم بذلك اليوم يوم الجمعة وهو من كلام أبي هريرة (فاليوم) أي فهذا اليوم الذي نعظمه يعني يوم الجمعة عيد (لنا وغدا) بالنصب على الحكاية لأنه مبتدأ، وفي بعض النسخ وغد بالرفع فيقال في إعرابه غد مبتدأ محكي مرفوع بضمة مقدرة (لليهود) جار ومجرور خبر المبتدإ أي وغدًا من يومنا عيد لليهود (وبعد غد) مبتدأ محكي أيضًا (للنصارى) جار ومجرور خبره أي وبعد غد عيد للنصارى.
قال القرطبي: وحق (غدًا) و (بعد غد) أن يكونا مرفوعين على الابتداء وخبرهما

الصفحة 303