كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 10)

وَيقُولُ: "بُعِثْتُ أنا وَالسَّاعةُ كَهَاتَينِ"
ــ
أي أتاكم في الصباح والمساء، وضمير يقول عائد على منذر جيش، وضمير صبحكم ومساكم للجيش كما أشرنا إليه في الحل، والباء في صبحكم مشددة وكذا السين في مساكم مشددة، وجملة يقول في موضع الصفة لمنذر جيش أو حال منه لتخصصه بالإضافة، قال السنوسي: ويصح أن تكون جملة يقول في موضع الحال من اسم كأن، والعامل فيه معنى التشبيه فالقائل إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الثاني عطف على الأول في هذا الوجه وعلى الوجه الأول عطف على جملة كأنه.
(قلت) مثل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته وإنذاره القوم بمجيء القيامة وقرب وقوعها وتهالك الناس فيما يرديهم بحال من ينذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم يقصد الإغارة عليهم والإحاطة بهم من كل جانب بحيث لا يفوت منهم أحد فكما أن ذلك المنذر يرفع صوته وتحمر عيناه ويشتد غضبه على تغافلهم كذلك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ سنوسي، قال القرطبي: ومنذر الجيش هو المخبر بقرب جيش العدو الذي يخوف به، وكونه صلى الله عليه وعسلم تحمر عيناه ويعلو صوته ويشتد غضبه في حال خطبته كان هذا منه في أحوال، وهذا مشعر بأن الواعظ حقه أن يكون منه في وعظه بحسب الفصل الذي يتكلم فيه ما يطابقه حتى لا يأتي بالشيء وضده ظاهر عليه، وأما اشتداد غضبه فيحتمل أن يكون عند نهيه عن أمر خولف فيه أو يريد أن صفته صفة الغضبان اهـ من المفهم. وجملة قوله (ويقول) معطوف على جملة احمرت عيناه على كونها خبر كان أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول (بعثت أنا والساعة) بالنصب على أنه مفعول معه، وبالرفع معطوف على التاء في بعثت، وفصل بينهما بأنا توكيدًا للضمير المتصل على ما هو الأحسن عند النحويين، وقد اختار بعضهم النصب بناء على أن التشبيه في قوله (كهاتين) الإصبعين وقع بملاصقة الإصبعين واتصالهما، واختار آخرون الرفع بناء على أن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما يعني أن ما بين زمان النسبي صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة قريب كقرب السبابة من الوسطى، وقد جاء من حديث سهل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سبقتها بما سبقت هذه هذه" رواه الترمذي من حديث المستورد بن شداد يعني الوسطى والسبابة اهـ من المفهم، قال النواوي: والمشهور نصبها على المفعول معه اهـ قال ابن الملك: والمعنى أن ما بيني وبين الساعة بالنسبة إلى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على السبابة

الصفحة 337