كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 10)

نظلّ من دون خفض مُعصمِين بهم ... فَشمر الشيخُ لما أعظمَ الخَطَر
كنا نهَوِّنُ قَبلَ اليومِ شأنَهُمُ ... حتى تفَاقَمَ أمرٌ كان يُحتقرُ
لمّا وهَنّا وقد حَلُّوا بساحتِنَا ... واستُنفر الناسُ تاراتٍ فما نَفَرُوا
نادَى امرؤٌ لا خلَاف في عَشِيرَتِه ... عنه وليس به في مِثلهِ قِصَر
أفشى هنالك ممَّا كان مذ عصروا ... فيهم صنائع مما كان يُدَّخَرُ
تلبَّسُوا لقِراعِ الحربِ بَزَّتَها ... فأَصبَحُوا من وراءِ الجسر قد عَبرُوا
ساروا بألويَة للمجدِ قد رُفِعْت ... وتحتَهُنَّ ليُوثٌ في الوغَى وُقرُ
حتى إذا خَلَّفُوا الأهوازَ واجتمعوا ... بِرَامَهُرْمُزَ وافَاهُمْ بها الخبرُ
نَعِيُّ بِشرٍ فجال القومُ وانصدعوا ... إلا بَقايا إذا ما ذُكِّرُوا ذَكَرُوا
ثم استمرَّ بنا راضٍ ببيعتِه ... يَنوِي الوفاءَ ولم نغْدِرْ كما غَدَرُوا
حتى اجتمعنا بسَابورِ الجنود وقد ... شُبَّتْ لنا ولهم ناو لها شَررُ
نَلقَى مساعِيرَ أبطالًا كأَنهمُ ... جِنٌّ نقارعُهُمْ ما مثلُهم بَشَرُ
نُسْقَى ونَسْقِيهمُ سَمًّا عَلَى حنَقٍ ... مُستأنِفِي الليْلِ حتّى أَسْفَرَ السَّحَرُ
قَتْلَى هنالك لا عقلٌ ولا قَوَدٌ ... مِنَّا ومنهم دماءٌ سَفكَها هدَرُ
حتى تَنَحَّوْا لنا عنها تَسوقُهُمْ ... منَّا ليوث إذا ما أقَدموا جَسروا
لم يُغنِ عنهم غدَاةَ التلِّ كيدُهُمُ ... عند الطِّعان ولا المكرُ الذي مَكَرُوا
باتَتْ كتائبُنا تَرْدِي مَسَّومَةً ... حولَ المهلَّبِ حتى نَوّرَ القمرُ
هناك ولَّوْا حِزَانًا بعد ما فَرِحوا ... وحالَ دونهُم الأنهَارُ والجدُرُ
عَبَّوْا جنودَهمُ بالسَّفح إذ نَزلوا ... بكازَرْونَ فما عزُّوا ولا ظفروا
وقد لقوا مُصْدَقًا منا بمنزلةٍ ... ظنُّوا بأَن يُنصَرُوا فيها فما نُصِرُوا
بدَشْت بارينَ يومَ الشِّعْبِ إِذ لُحقتْ ... أسد بسفكِ دماءِ الناس قد زَئِرُوا
لاقَوْا كتائبَ لا يُخلونَ ثَغْرَهُمُ ... فيهمْ على من يقاسي حربهم صَعَرُ
المقْدِمين إذ ما خيلهم وردَتْ ... والعاطفين إذا ما ضيّع الدَّبرُ
وفي جُبيْرِينَ إذ صفُّوا بزَحفهم ... ولَّوا خزَايَا وقد فلُّوا وقد قُهِرُوا
واللهِ ما نزلوا يومًا بساحَتِنا ... إلا أصابَهمُ من حربنا ظَفَرُ
نَنْفِيهمُ بالقَنا عن كلِّ منزلةٍ ... ترُوحُ منا مساعِيرٌ وتَبْتَكرُ
وَلُّو حذارًا وقد هَزُّوا أَسِنّتنَا ... نحو الحروب فما نجّاهمُ الحذرُ

الصفحة 291