كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 10)
[كِتَاب النُّذُور]
ِ الْأَصْلُ فِي النَّذْرِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧] . وَقَالَ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩] . وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَتْ عَائِشَةُ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . .
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ.» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ.
(٨١٧٢) فَصْلٌ: وَلَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا مَدَحَ الْمُوفِينَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ فِي ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّذْرَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا، لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَفَاضِلُ أَصْحَابِهِ.
[مَسْأَلَةٌ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ]
(٨١٧٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ، لَمْ يَعْصِهِ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) ، وَنَذْرُ الطَّاعَةِ؛ الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَالْعِتْقُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالِاعْتِكَافُ، وَالْجِهَادُ، وَمَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي، سَوَاءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا بِأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا. أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: إنْ شَفَانِي اللَّهُ مِنْ عِلَّتِي، أَوْ شَفَى فُلَانًا، أَوْ سَلِمَ مَالِي الْغَائِبُ. أَوْ مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَأَدْرَكَ مَا أَمَّلَ بُلُوغَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ.
الصفحة 3
512