كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 10 """"""
قال ابن الأثير : كان سبب ولاية المقتدر أن المكتفي لما ثقل مرضه فكر الوزير أبو العباس بن الحسن فيمن يصلح للخلافة ، فاستشار محمد بن داود الجراح في ذلك فأشار بعبد الله بن المعز ووصفه بالعقل والرأي والأدب ، واستشار بعده أبا الحسن بن الفرات فامتنع ، وقال : هذا شيء ما جرت عادتي أشير به ، وإنما أشاور في العمال لا في الخلفاء فغضب الوزير وقال : هذه مقاطعة وليس يخفى عليك الصحيح وألح عليه فقال : إن كان رأي الوزير قد استقر على أحد فليفعل .
فعلم أنه عنى ابن المعتز لاشتهار خبره ، فقال الوزير : لا أقنع إلا أن تمحضني النصيحة وألح عليه فقال ابن الفرات : فليتق الله الوزير ولا ينصب إلا من قد عرفه واطلع على جميع أحواله ، ولا ينصبُ بخيلاً فيضيق على الناس ويقطع أرزاقهم ، ولا طامعاً فيشره في أموالهم فيصادرهم ويأخذ أملاكهم وأموالهم ، ولا قليل الدين فلا يخاف العقوبة والآثام ويرجو الثواب فيما يفعله ، ولا من قد عرف دار هذا ونعمة هذا وبستان هذا وضيعة هذا وفرس هذا ، ومن قد لقي الناس ولقوه وعاملهم وتحنك وحسب حساب الناس وعرف وجوه دخلهم وخرجهم فقال الوزير : صدقت ونصحت ، فيمن تشير ؟ قال أصلح الموجودين جعفر بن المعتضد بالله . قال : ويحك هو صبي قال : إلا أنه ابن المعتضد ، ولم نأتي برجلٍ يباشر الأمور بنفسه غير محتاجٍ إلينا ؟ فمالت نفسُ الوزير إلى ذلك ، وانضاف إليه وصية المكتفي له بالأمر . فلما مات المكتفي بالله أرسل الوزير صافياً الحرمي ليحدر المقتدر من داره الغربي .
فركب في الحراقة وانحدر . فلما صارت الحراقة مقابل دار الوزير صاح غلمان الوزير بالملاح ليدخل إلى دار الوزير ، فظن صافي الحرمي أنه يريد القبض على جعفر وينصب في الخلافة غيره ، فمنع الملاح من ذلك . وسار إلى دار الخلافة وأخذ له صافي البيعة على جميع الخدم وحاشية الدار ، ولقب نفسه المقتدر بالله ولحق الوزير به وجماعة الكتاب فبايعوه ثم جهزوا - جماعة الكتاب - المكتفي ودفنوه .