كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 241 """"""
من الجند . وقّوِّي عزم محمد رجلان وهما حسن بن حيّ الفقيه ومطرف بن ثعلبة . وكان محمد يعاشر في مدة استتاره قوماً من الصعاليك لهم على كل عظيمة ، فدسّ بعضهم إلى بعض وأعطاهم من خمسة مثاقيل إلى عشرة وأكثر من ذلك ، فاجتمع له منهم نحو أربعمائة رجل . وطاوعه على ذلك جماعة من المروانيين لخروج الأمر عنهم وصَرْفِهِ إلى أبي عامر .
وكان عبد الرحمن قد رتّب أمور البلد قبل مسيره ، وجعل النظر في الأموال وتدبير البلد إلى قبل مسيره ، وجعل النظر في الأموال وتدبير البلد إلى أحمد بن حزم وعبد الله بن سلمة المعروف بابن الشرس ، وجعل على المدينة عبد الله بن عمرو المعروف بابن عُسفلاجة وهو أحد بني أبي عامر . وظن شنشول أن الأمور لا تتغير وأن دولتهم قد استحكم أمرُها ، هذا ومحمد في تقرير حاله ، فشنع الناس أن قائماً يقوم على بني الأغلب ، فبلغ ابن عسفلاجة الخبر فأظهر البحث وبالغ في الكشف فلم يتبيّن له شيء وهجم دوراً كثيرة فلم يقف على أمر واضح .
فلما كان في يوم الثلاثاء النصف من جمادى الآخرة مات ابن عبد الجبار بقرطبة ، ونقدم إلى ثلاثين رجلاً من كُفاة أصحابه أن يشتملوا على سيوفهم ويدخلوا من باب القنطرة متفرقين حتى يقفوا على السترة التي تشرف على الرصيف والوادي ، كما يفعل من يريد التفرّج بذلك المكان . وأمرهم أن لا يحدثوا حدثاً حتى يأمرهم وأنذر سفهاءه وواعدهم ساعة قبل زوال الشمس ، ففعل أولئك النفر ما أمرهم به ، وكان من سواهم على انتظار الوقت الذي حدّده لهم . وركب محمد بغلته وعبر القنطرة وحده حتى انتهى إلى باب الشكال ومعه نفرٌ من أصحابه كانوا قياماً على باب القنطرة فاقتحموا باب الشكال فأنكرهم حرس الباب وأرادوا منعهم ، فبادر محمد ودخل . وسلّ أولئك النفر سيوفهم وقصدوه ، فقصدهم صاحب المدينة ابن عسفلاجة ، فيقال إنه كان يشرب مع حارسين له ، فأتاه محمد وهو على أهبة فقتله واحتزّوا رأسه . وتتابع أصحاب محمد من جهاتهم إليه .
واتصل الخبر بأهل الزاهرة عند العصر وقد عظم جمع محمد من أصحابه ومَنِ اجتمع إليه من العوام وأهل البادية ، فنُقب القصر من ناحية السباع ومن ناحية باب الجنان ، ولم يقدر حرس القصر على مقاومته . . ووصل إلى القصر من جهة باب السدة وأهل الزاهرة غير مصدّقين بالأمر ، وظنوا أنه أمر يدفعه صاحب المدينة إلى أن قوي عندهم الخبر بدخول محمد القصر ، فكان حسبهم اعتصامهم بالزاهرة في ليلتهم .

الصفحة 241