كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 242 """"""
فلما صار محمد داخل القصر أرسل إليه المؤيد هشام يقول له : تؤمنني على نفسي وأنخلع لك من الأمر فقال " سبحان الله أتراني إنما قمت في هذا الأمر لأقتل أهل بيتي ، وإنما قمت غضباً له ولنفسي وبني عمي ، فإن خلع نفسه طائعاً قبلت ذلك ، وليس له عندي إلا ما يحب .
وأرسل محمد إلى الفقهاء ووجوه الناس فأحضرهم ، وكتب كتاب الخلع والبيعة لمحمد ، وبات تلك الليلة في القصر وأهل بالس وهي الزهراء لم يتحرك منهم أحد ، وكانوا جمعاً كبيراً منهم أبو عمرو بن حزم وعبد الله بن سلمة وابن أبي عبيدة وابن جهور ، وجماعة من الفقهاء والوزراء والقالبة - وهم الخصيان - ونفر من الجند والخزان والكتاب . وأصبح محمد فجعل حجابته إلى ابن عمه محمد بن المعيرة ، وجعل على المدينة ابن عمه أُميّة بن إسحاق . وأمرهما بإثبات كل من جاءهما في الديوان ، فلم يبق أحد حتى أثبت نفسه حتى الزهاد والعباد وأئمة المساجد وغيرهم وقبضوا العطاء ، وكذلك التجار الأغنياء . واتّبعه سائر أهل البوادي والأطراف ، وأرسل حاجبه محمد بن المغيرة في خلْق من العامة لمحاربة أهل بالس فردّوه أقبح ردٍّ وهزموه إلى داخل قرطبة . ثم كثر العامة فهزموهم إلى بالس ، ودخلها الحاجب ونُهبت ، فسأل الوزراء والصقالبة الأمان فأمّنهم محمد ، فساروا إليه فوبخهم ثم عفا عنهم ورد ابن الشرس مع الحاجب لنقل ما ببالس من الأموال والأمتعة والأثاث وقد نُهب منه ما لا يُحصى ، ونُهبت ليلة الأربعاء دورٌ كثيرةٌ للعامرية ، ونهب ما جاوز بالس من دور الوزراء ، وانتُهبت ما في الزاهرة حتى قُلعت الأبواب والأخشاب ، والحاجب مع ذلك ينقل .
ثم أمر محمد بعد أربعة أيام بكفّ أيدي العامة عن النهب فمنعوا ، وتفرّد بنقل ما يريد ، فيقال إن الذي وصل إليه من الزاهرة في ثلاثة أيام ألف ألف وخمسمائة ألف دينار ، ومن الدراهم الأندلسية ألفاً ألف ومائة ألف ، ووجد بعد ذلك خَوابيٌّ فيها نحوٌ من مائتي ألف دينار ، وأطلقت النار في الزاهرة لعشر بقين من جمادى الآخرة .
وخُطب لمحمد بالخلافة وقطعت خطبة هشام وشنشول ، وقُرِئ بعد صلاة الجمعة كتابٌ بلعن شنشول وذكر مساوئه ، وقُرِئ كتابٌ آخر من محمد بإسقاط رسوم جارية وقبالات محدثة . وصلّى محمد بالناس الجمعة لأربع من جمادى الآخرة ودعا لنفسه وتلقّب بالمهديّ ، وقُرِئ بعد نزوله كتاب على المنبر بالنفير لقتال شنشول .

الصفحة 242