كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 243 """"""
ووصل أهل الأقاليم من أقصى الأندلس مظهرين عُدّة الرحب ، وولّى محمد جنده قواداً من طبيب وحائك وجزار وسرّاج ، وخرج بهم ونزل بفحص السرادق ، وأمر أهل النواحي بالنزول حول سرادقه .
ذكر أخبار شنشول ومقتله
قال : وأما شنشول فإنه لما بلغه الخبر - وكان قد انتهى إلى طليطلة - عاد إلى قلعة رباح وقد تخاذل عنه الناس ؛ فعزم على استجلاب الناس لنفسه فامتنعوا وقالوا : قد خلفنا مرة ولا يخلف أُخرى فعلم أنهم خاذلوه ، فدعا محمد بن يعلى الزناتي وكان عزم على خذلانه فقال له : ما ترى فيما نحن فيه ؟ فقال له : أصدقك عن نفسي وعن الجند ليس والله يقاتل معك أحدٌ منهم قال ما الدليل على ذلك . قال : تأمر بتقديم مطبخك إلى طريق طليطلة وتظهر الرحيل إليها فتعلم مَنْ يتبعك ومن يتخّف عنك قال : صدقت .
وكان ابن عومس القومس مع شنشول يريد قرطبة معاقداً له يستنصر به على مَنْ يناوئه من القمامسة . فلما رأى اضطراب حال شنشول أشار عليه أن يرحل معه إلى بلده ، ويكونوا يداً واحدة ، ويلجأوا إلى مكان ، فأبى ذلك وقال : لا بُدّ من الإشراف على قرطبة فإني أرجو أنني إذا طلعت عليا اختلفت كلمة محمدٍ ، ولي أنصارٌ يميلون إلى سلطاني ويحبون ظهوري فقال له القومس : خذ باليقين ودع الظن ، أمرك والله مختلٌّ وجندك عليك لا لك فقال : لا بد من المسير إلى قرطبة فقال : أنا معك على كراهية لرأُيك وعلم بخطاياك .
وسار شنشول من قلعة رباح والأخبار تتواتر بتظاهر أهل قرطبة مع ابن عبد الجبار ، فلما بلغ منزل هانئٍ فارقه عامة البربر ليلاً ، وذلك في سلخ جمادى الآخرة ، ثم فارقه الناس بعد ذلك وبقي في نفر يسيرٍ من خدمه ، وابن عومس في مفر من النصارى ، فقال له : سر بنا من هنا قبل أن يدهمنا ما يمنعنا من ذلك فأبى شنشول وقال : قد بعثت القاضي في طلب الأمان لي . ثم تجبر في أمره وسار إلى دير يعرف بدير شَوْس ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رجب .

الصفحة 243