كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 244 """"""
وبلغ خبره محمد ، فأرسل إليه حاجبه في مائتي فارس ، فأرسل الحاجب ابن ذري مولى الحكم فسبقه إلى الدير فصبحه في يوم الجمعة ، فقال شنشول لما عاينه ومن معه : ما لكم عليّ سبيل ، أنا في طاعة المهدي فاستنزلوه من الدير ومعه ابن عومس ومن تبعهما ، وأخذ نساء شنشول - وهن سبعون جارية - فبعث بهن إلى قرطبة ، ولحق الحاجب بابن ذري قبل العصر من يوم الجمعة . فلما أقبل عليهم نزل شنشول فقبّل الأرض بين يدي الحاجب مراراً ، فقيل له : قَبِّل حافر فرسه ففعل وقبّل رجله ويده ، ثم حُمل على غير فرسه وابن عومس ساكت لم ينطق ، وأشار إلى الحاجب بانتزاع قلنسوة شنشول عن رأس فانتزعت . ورجع يريد قرطبة ، فسار إلى أن غربت الشمس ، فنزل وأمر أن يكتف شنشول فعطفت يده عطفاً شديداً فقال : نفِّسوا عني وأطلِقوا يدي لأستريح ساعة فنفسوا عن يده ، فأخرج من خُفّه سكيناً كالبرق فعوجل قبل أن يصنع شيئاً ، ثم أضجعه الحاجب وذبحه . وقتل ابن عومس وأخذ رأسيهما ، وحمل جثة شنشول ، وسار بها إلى القصر بقرطبة . فأمر محمد بشق بطنه ونزع ما فيه وحُشي بعقاقير تحفظه ، ثم نصب رأسه على قناة ووقف به على باب السدة ثم رُكِّب على جسده ، وكُسي قميصاً وسراويل ، وأخرج فسُمّر على خشبة على باب السدة . وأمر الرّسّان صاحب شرطه شنشول أن ينادي : هذا شنشول المأمون ثم يلعنه ويلعن نفسه ، وذلك في يوم السبت لأربع خلون من شهر رجب .
وكانت مدة ولاية شنشول أربعة أشهر وأياماً ، وكان قبيح الفعال كثير التخليط متجاهراً بالفِسْق ، شُهد عليه بأشياء لا تصدر عن مسلم ، منها أنه سمع المؤذن يقول " حيّ علي الصلاة " فقال : لو قال حيّ على الكبير لكان خيراً له وكثيرٍ من هذا القول وما يناسبه ، وانقرضت الدولة العامرية بمقتل شنشول .
قال إبراهيم بن الرقيق : ومن أعجب ما رأيناه أنه كان من نصف نهار يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقيت من جمادى الآخرة إلى نصف نهار الأربعاء الذي يليه ، فُتحت مدينة قرطبة وهُدِمت مدينة الزاهرة ، وخُلع خليفة وهو هشام بن الحكم ، وولى خليفةٌ وهو محمد بن هشام بن عبد الجبار ، وزالت دولة بني عامر ، وحدثت دولة بني أمية ، وقُتل وزيرٌ وهو ابن عُسفلاجة ، وأُقيمت جيوش من العامة ، ونُكب خلْقٌ من الوزراء ، وولى الوزارة آخرون ، وكان ذلك على أيدي عشرة رجال حجّامين وجزارين وحاكة وزبالين ، وهم جند ابن عبد الجبار

الصفحة 244