كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 245 """"""
قال : وفي يوم الخميس لسبعٍ خلون من شهر رجب وصل كتابُ واضحٍ من مدينة سالم إلى محمد وطاعته وإظهار الاستبشار بمقت شنشول ، فسُرّ به محمدٌ وشكر ذلك لواضح ، وحمل إليه مالاً كثيراً وكساء وفُرشاً وطرائف ، وولاّه سائر الثغر .
قال : ولما استوثق الأمر لمحمد أسقط من جنده نحواً من سبعة آلاف وعادوا إلى بنيهم فانتفع بهم الناس ، ثم نفى جماعةٌ من الصقالبة العامرية ، ثم أخرج بعد ذلك صقالبة القصر وسدّ أبوابه . وأظهر محمدٌ من الخلاعة واللهو والشُّرب ما كان بفعله شنشول ، واستعمل مائة عود ومائة بوق . وفي شعبان توفي رجل يهوديٌّ فأخذه محمد وأوقف عليه رجالاً من أصحابه ، وكان يشبه بهشام فشهدوا عند العامة أنهم وقفوا على هشام ميتاً لا جُرحٌ به ولا أثرٌ وأنه مات حتف أنفه . وحضر الفقهاء والعدول وخلْقٌ من العامة إلى القصر وصلّوا عليه يوم الاثنين لأربع بقين من شعبان وأخفاه عند وزيره الحسن بن حيّ .
وفي شهر رمضان سجن محمد سليمان بن عبد الرحمن - وكان قد جعله وليّ عهده - وسجن جماعةً من قريش ، وأظهر بُغْض البربر فكان يسبّهم في مجلسه .
ذكر قيام هشام بن سليمان على محمد وما كان من أمره إلى أن قُتل
قال : ولما شرع محمد بن عبد الجبار في اطّراح البربر ودبّر في قتل عشرة منهم ، سعى هشام بن سليمان بن عبد الرحمن في خلْع محمد ووافقه جماعةٌ من الجند واحتفل أمره ، وخرج إلى فحص السرداق وانضمّ إليه الذين أسقطهم محمد من جنده ، فراسله محمدٌ وقبَّح عليه فِعله فقال : سُجن والدي على غير شيء ولا أدري ما صُنع بهّ فأطلقه محمد فسلم يرجع هشام عن رأيه ، وتحرّك بالجند وأحرق سوق السرّاجين . ثم خذله جنده وأخذوه أسيراً هو وأخوه أبو بكر وأبوه سليمان ، فسلموهم إلى محمد ؛ فقتل هشاماً وأبا بكر صبراً ، وذلك لأربعٍ بقين من شوال . ونُهبت دور البربر ، ونودي في البلد " من أتى برأس بربري فله كذا وكذا " فشرع أهل قرطبة في قتل من قدروا عليه منهم ، وسُبيت نساؤهم ، وهرب من سلم من البربر إلى أزملاط ثم جلَوا إلى الثغر . وكان من فرّ بعد قتل هشام سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر ، فنصبه البربر خليفة .

الصفحة 245