كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
ذكر قيام سليمان بن الحكم المستعين بالله
قال : لما نصبه البربر خليفة نعت نفسه المستعين بالله ، واستوزر أحمد بن سعيد ، ونهض بمن معه إلى وادي الحجارة فدخلوه عنوةً ، وعرضوا أنفسهم على واضح العامريّ غلام المنصور ابن أبي عامر صاحب مدينة سالم ، فلم يقبلهم ، وبعث إليه محمد ابن هشام المهدي قيصر الفتى في جيش ليُعينه على سليمان ، فالتقوا واقتتلوا ، وانهزم واضحٌ وقتل قيصر . ولحق واضح بمدينة سالم فتحصن بها ، ومنع الميرة عن البربر ، فأقاموا خمسة عشر يوماً يأكلون الحشيش . فلما اشتد ذلك عليهم أرسلوا إلى ابن مادويه الرومي واستُنجد به ، وسأله سليمان أن يدخل بينهم وبين ابن عبد الجبار وواضح في الصلح وقال : يخرج معنا إلى واضح ويرغب إليه في الإصلاح بيننا وبين صاحبه ، فإن أبي ذلك سرنا إلى قرطبة وناجزنا ابن عبد الجبار .
فسارت الرسل إليه فوجدوا رُسل ابن عبد الجبار وواضح عنده يسألونه الصلح معهما على أن يعطياه ما اشترط من مدائن الثغر ، وأتوه بخيلٍ وبغالٍ وكساءٍ وجوهرٍ وطيبٍ وتحفٍ كثيرةٍ . فأجاب البربر إلى ما أرادوه من الصلح أو الاتفاق معهم على أن يعطوه ما بذل واضحٍ والمهديُّ من مدائن الثغور إذا ظفروا . فقبلوا ذلك منه ، وردّ رُسُل واضحٍ وابن عبد الجبار ، ثم أرسل إلى البربر ألْف عجلةٍ تحمل الدقيق والشعير وأنواع المأكل وألف ثور وخمسة آلاف شاة وجميع ما يصلحهم من الملبس وغير ذلك . فقويت البربر بذلك ، وسار إليهم في جموعه وساروا إلى مدينة سالم ، وأرسلوا واضحاً في الصلح فأبى ، فساروا إلى قرطبة في المحرم سنة أربعمائة . وابتعهم واضح بمن معه وقابلهم ، فانهزم وقُتل خلْقٌ كثير من أصحابه ، ووصل المنهزمون من أصحابه إلى قرطبة ، وملك البربر جميع ما كان عسْكر واضح ، هذا وابن عبد الجبار في لهْوه واستهتاره ، ثم خرج إلى فحص السرداق وخندق عليه ، وأتاه واضحٌ في أربعمائة فارس من أهل مدينة سالم ، ووصل غلامه يلبق في مائتي فارس .
وأقبل سليمان بالبربر فنادى ابن عبد الجبار أن يُخرج كل من بلغ به الحُلُمُ من سائر الناس ، فلم يتخلف أحدٌ فلا ترى شيخاً ضعيفاً أو حَدَثاً غِرّاً وبقّالاً ونسّاجاً . فلما كان في يوم السبت منتصف شهر ربيع الأول التقى البربر وأهل قرطبة
الصفحة 246
288