كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
فحمل عليهم من البربر نحو ثلاثين فارساً فلم يقفوا لهم وانهزموا ، وسقط بعضهم على بعض . ومضى واضحٌ من فَوْره إلى الثغر لم يعرج على شيء . . ووضع البربر السيف في أهل قرطبة فقتلوا خلقاً كثيراً ، وغرق في وادي قرطبة ما لا يُحصى .
وسار ابن عبد الجبار إلى القصر وأظهر هشاماً المؤيد وأقعده حيث يراه الناس في مكان يشرف على باب الشكال والقنطرة ، وأرسل القاضي ابن ذكوان إلى البربر يقول : إنما أنا قائم دون هشام ونائبٌ عنه كما يحجبه الحاجب والأمر له ، وهو أمير المؤمنين فلما أبلغهم القاضي الرسالة قالوا : بالأمس يموت هشامٌ وتصلِّي عليه أنت وأميرك ، واليوم تعيش وتُرجع الخلافة إليه فاعتذر القاضي من ذلك .
ثم خرج أهل قرطبة بأجمعهم إلى سليمان فأكرمهم ، وأحسن لقاءهم . ودخل سليمان القصر ، وهرب ابن عبد الجبار فكانت مدة ولايته تسعة أشهر . واستنجز ابن مادوية البربر أن يعطوه الحصون التي شرطوها له فقالوا : ليست الآن بأيدينا فإذا عهد سلطاننا أنجزنا لك ما وافقناك عليه ورحل يوم الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الأول .
قال : ثم فرّق سليمان العمال في الولايات ، وأنزل البربر بالزهراء ، وأعاد المؤيد إلى السجن ، وأنزل شنشول عن خشبته وأمر بغسْله والصلاة عليه ودفنه ، فدفن في دار أبيه .
وأما المهدي محمد بن هشام فإنه هرب إلى طليطلة بعد اختفائه بقرطبة ، فوصل في أول جمادى الأُولى فقبله أهلها أحسن قُبولٍ ، وخالفوا هشام بن سليمان . فتأهب لقصد طليطلة . ورحل يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من جُمادى الآخرة . فلما قرب منها أرسل الفقهاء إلى أهلها ليعذر إليهم فرجعوا بخلافهم ، فسار إليهم وكان رجلٌ يعرف بالقرشي الحرّاني قد جمع جموعاً عظيمةً ودعا لنفسه ، فسرح إليه سليمان عليَّ بن وداعة في جيش كثيف فهزم جموع القرشي وأسره وأحضره إلى سليمان ، فاعتقله ثم قتله . قال : وتجاوز سليمان طليطلة رجاء أن يرجعوا إلى الطاعة ، ورحل إلى الثغر على مدينة سالم . ثم التحق بمحمد بن عبد الجبار في جماعة من العبيد ، وانضم إليه ابن مسلمة صاحب الشرطة . وخرج واضحٌ من مدينة سالم إلى طرطوشة وكتب إلى سليمان يرغب في المعافاة من الخدمة ويكون في ميورقة مرابطاً وينقطع
الصفحة 247
288