كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 248 """"""
عن الناس ، وإنما يفعل ذلك تطميناً لسليمان حتى يحكم أمره . فأرسل سليمان إليه بالنظر في سائر الثغر وجهاد العدوّ ، فأخذ واضح في الاتفاق مع الفرنج وشرط لهم ما أرادوه ، واجتمعوا كلهم مع المهدي بطليطلة . وبلغ سليمان ذلك فاستنفر الناس فاستعفاه أهل قرطبة ، وذكروا عجزهم عن القتال فأعفاهم بشفاعة البربر . وخرج لقتال القوم ، فالتقوا عند عقبة الثغر في العُشر الأخير من شوّال ، فجعل البربر سليمان في ساقتهم وجعلوا معه خيلاً من المغاربة وقالوا له : لا تبرح موضعك ولو وطئتك الخيل ثم تقدموا فحملت الفرنج عليهم حملة منكرة فأخرجوا لهم ليتمكنوا منهم ، فرأى سليمان خيل الفرنج وقد خرقت صفوف البربر فلم يشك أن البربر قد اصطلموا ، فانهزم فيمن معه . ثم عطف البربر على الفرنج فقتلوا ملكهم أرمغند ، وستين من وجوههم . ورأى البربر هزيمة سليمان فانحازوا إلى الزهراء ، ثم خرجوا منها ليلاً . ومضى سليمان إلى مدينة شاطِبة ، فكانت مدة ولاية سليمان سبعة أشهر .
ذكر دولة المهدي محمد الثانية
قال : ولما انهزم سليمان دخل محمد بن هشام بن عبد الجبار قرطبة ومعه الفرنج فأفسدوا غاية الفساد ، ونهبوا الأموال ، واستطالوا على الناس ثم سألهم المهديُّ وواضحٌ المسير معهما لقتال البربر فخرجوا كلهم ، والتقوا بالبربر بوادي لدة لست خلون من ذي القعدة ، واقتتلوا قتالاً شديداً فانهزم واضح وابن عبد الجبار والفرنج أقبح هزيمة ، وقتل في المعركة يلبق غلام واضح ومؤمن الصقلبي ، وتخلّف ابن زُرزور مولى الحكم وغيرهم . وقتل من الفرنج أكثر من ثلاثة آلاف وغرق في البحر كثيرٌ ، واحتوى البربر على ما في معسكرهم ، ووصل المنهزمون إلى قرطبة في اليوم الثاني من الوَقْعة فزاد حنق الفرنج وعاثوا بقرطبة وقتلوا كل من يُشبّه بالبربر بها . فسألهم محمد وواضحٌ ، ورغبا إليهم في الرجوع معهم لقتال البربر ، فأبَوا عليهما وقالوا : قد قُتل ملكُنا وخيارُنا ووجوهنا وفارقوا مدينة قرطبة وعادوا إلى بلادهم ، وكان رحيلهم عنها لشدة خوفهم من البربر ، حتى كان الرجل من أهلها يلقى الآخر فيعزيه كما يعزى من فقد أهله وماله

الصفحة 248