كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 249 """"""
ثم فرض محمد بن عبد الجبار على أهل قرطبة مالاً فأدوه ، وتهيأ للخروج وخرج بواضحٍ وأهل قرطبة والعبيد لقصد البربر . فلما ساروا ثلاثين ميلا كروا راجعين إلى قرطبة ، وأقام من ورائه سوراً وتحصن به . هذا والبربر يغيرون في نواحي قرطبة ، وأخذوا الجبل المعروف بابن حفصون - وهو كثير الماء والمرعى والثمر والزرع - فزاد ذلك في قوتهم . وابن عبد الجبار وجنده في انهماك على اللهو وارتكاب المحارم وإظهار الفسق ، وإفساد ما قدروا عليه ، والنزول على الناس في دورهم ، وقتل من دافعهم ، فكرة واضح ذلك منه - وكان قد حقد عليه ما أتاه إلى بني أبي عامر - فأخذ في التدبير عليه .
وبلغ ذلك محمد فجمع ما في القصر من النفائس وسلمها إلى ابن رافع رأْسِه - رجل من أهل طليلطة - وأمره بالخروج إليها ، وتحيّل في الخروج في أثره . فلما كان في يوم الأحد الحادي عشر من ذي الحجة سنة أربعمائة - وقيل لثمان خلون منه - ركب واضح والعبيد وأهل الثغر وصاحوا : لا طاعة إلا طاعة المؤيد ثم قصدوا القصر وأخرجوا المؤيد ، وأجلسوه على منبر الخلافة وألبسوه لباسها . وكان محمد بن عبد الجبار في الحمام ، فدخل عليه ابن وداعة وأخبره الخبر ، فخرج وجاء إلى هشام وأراد أن يجلس إلى جانبه ، فأخذ عنبرٌ الخادم بيده ورمى به من على المنبر وأجلسه بين يدي المؤيد . فسبّه المؤيد ووبّخه وعدّد عليه ما أتاه وما فعله معه ، فأخذ عنبر بيده وأقامه وأصعده إلى السطح وأراد ضرْب عُنُقه فتعلق به ، فتعاورته سيوف العبيد والخدم والصقالبة فقتلوه ، وأخذوا رأسه ورموا بجثته ، فسقطت في الموضع الذي كانت فيه جثة ابن عُسفلاجة لما قتله . فكانت مودة ولايته هذه نحو شهر ، ومدة مملكته الأولى والثانية عشرة أشهر ، وعمره خمساً وثلاثين سنة
ذكر دولة المؤيد هشام الثانية
قال : وبايع الأجناد هشاماً في يوم الأحد الحادي عشر من ذي الحجة سنة أربعمائة وأُحضر بين يديه رأس محمد المهدي ، فأمر بإرساله إلى البربر وهم يومئذ بوادي شوش في خدمة المستعين بالله سليمان بن الحكم ، طمعاً أن البربر يفعلون به كما فعل هو بالمهدي ، ويعودون إلى طاعته فيتم أمره وتستقيم دولته . فلما وصل إليهم مع جماعة من أهل قرطبة كادوا يقتلونهم ، فمنعهم المستعين بالله بعد أن أفرط في توبيخهم ، فعادوا إلى قرطبة .

الصفحة 249