كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 250 """"""
وتولى واضحٌ العامري حجابة المؤيد ، وأمره بحفر الخندق على قرطبة فحفره ، وحصنها ، قال : وكان لمحمد بن عبد الجبار ولدٌ بقرطبة عمره ست عشرة سنة فاحتال له شيعة أبيه حتى أوصلوه إلى مدينة طليطلة ، فقبله أهلها ، وأمّروه عليهم . فأغار على بعض ما كان لواضح ، فلقيه محارب التجيبي فقهره وأسره وأرسل به إلى واضح ، فقتله .
قال : ثم قصد المستعين قرطبة في جموعه من البربر ، فلم يتمكن منها ، فقصد الزهراء فاستوى عليها في يوم السبت لست بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعمائة ، وقتل منْ بها من الجند ، وأخذ في قتال أهل قرطبة ، وواضحٌ يتولى حربه . ثم رحل البربر من الزهراء لخمس بقين من شعبان ، وجعلوا يغيرون على البلاد ويخرّبون ، فانضم أهل البوادي إلى قرطبة خوفاً منهم ، فصاروا أكثر من أهلها ، وغلت الأسعار فمات أكثرهم جوعاً . وقطع البربر الميرة عن قرطبة ، فاشتد بها الغلاء فبيع مُدُّ القمح - وهو قفيزان ونصف بالقروي - بثلاثمائة دينار دراهم وهي مائة مثقال عيناً . وجاءت رسل ابن مادويه يستنجزون تسليم الحصون إليه على أن لا يغزوهم ولا يتعرض لشيء من ثغورهم ، فرضوا بهدنة وسلّموا إليه مدناً كثيرة وأكثر من مائتي حصن مما افتتحه الحكم بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عامر . وسمع ابن شالوس بما تسلّم ابن مادويه من الحصون ، فكاتب على حصون أخرى وتوعّد وتهدّد ، فأُجيب إلى ما سأل وسُلّمت إليه .
وأخرب البربر مدناً جليلة ، وقتلوا أكثر أهلها ، ولم تسلم منهم إلا طليطلة ومدينة سالم ، وبلغت خيلهم أندراوه وما وراءها حتى إن الراكب يسير شهوراً لا يرى أحداً في قرية ولا طريق . قال : واستخف جند قرطبة بواضح حتى صاروا يصرحون بسبّه ، فعزم على مراسلة البربر في الصلح لما رأى من اضطراب الجند عليه وطمعهم فيه ، وأظهر أن ذلك عن رأي هشام لما فيه من الصلاح للعامة والخاصة . فبعث واضحٌ إلى البربر رجلاً يعرف بابن بكر فاجتمع بسليمان وعاد بجوابه فقتله الجند في المجلس - ولم يقدر هشام لا واضح على منعهم - واحتزُّوا رأسه ، وطافوا به البلد . فعزم واضح على الهرب إلى البربر ، وكان ابن أبي وداعة يعاديه فزحف إلى داره في عدّة من الجند فأخرجوه حاسراً وعاتبوه على ما أتلف من الأموال وما عزم عليه من

الصفحة 250