كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 251 """"""
مصالحة البربر . وضربه ابن أبي وداعة بسيفه وحمل عليه القوم فقتلوه ، واحتزوا رأسه وطافوا به ، وألقوا جثته في الرصيف بالموضع الذي أُلقِي فيه ابن عُسقلاجة وابن عبد الجبار ، ونُهبت دور أصحابه .
وولّى هشام ابن أبي وداعة المدينة ، فاشتدّ على أهل الريب وهاب الجند وغيرهم ، وكان مقتل واضح في يوم الثلاثاء للنصف من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعمائة .
ثم قدم البربر وسليمان ، ونازلوا قرطبة وظاهرها وقد امتلأت أيديهم بالغنائم ، وقلّت الأقوات على أهل قرطبة ، وعظم عليهم الخطب ، واشتد الأمر ، وكان بين أهلها والبربر مراسلات وأمور يطول شرحها . كان آخر ذلك أن سليمان ملك قرطبة في يوم الأحد لثلاث خلون من شوّال سنة ثلاثٍ وأربعمائة ، وكانت مدة ولاية المؤيد الثانية سنتين وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوماً وفُقِد المؤيد لخمس خلون من شوال سنة ثلاث وأربعمائة .
ذكر دولة المستعين بالله الثانية
قال : ولما فتح سليمان بن الحكم المستعين قرطبة دخل القصر لخمس خلون من شوّال وتلقّب بالظافر بحول الله ، وأحضر هشاماً ووبخه وقال : قد كنت تبرأت لي من الخلافة فأعطيت صفقة يمينك فما حملك على نقْض عهدك ؟ فاعتذر أنه مغلوب عليه ، وتبرأ له ، وسلّم الأمر إليه . وضرب سرادق سليمان بشقنده ، ونزل البربر حوله ، وهرب كثير من موالي بني أمية فاحتوى البربر عليها واقتسموا البلد بينهم . وطالب سليمان الناس بالأموال فغرمهم فوق طاقتهم ، واشتد أمر البربر على الناس فاستباحوا الأموال والحريم وسليمان لا يمكنه دفعهم وليس في يده مع قرطبة غير إشبيلية ولبلة والشنبة وباجة .
وكان في عسكره رجلان من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب وهما القاسم وعلي ابنا حمّود بن ميمون فقوّدهما على المغاربة ، ثم ولّى علياً الأصغر منهما سبتة وطنجة ، وولى القاسم الجزيرة الخضراء ، وبين الموضعين المجاز المعروف بالزقاق ، وسعة البحر هناك ثمانية عشرة ميلاً .

الصفحة 251