كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 253 """"""
قرطبة أحضر الفقهاء والوزراء وسأل سليمان بحضرتهم عن المؤيد فقال " مات " فألزمه أن يُريَه قبره وأخرجه دفينا لا أثر فيه فأمر بتكفينه ودفنه في الروضة . ثم استفتى الفقهاء في قتْل سليمان ، فقتله هو وأباه الحكم عبد الله وولده سليمان في وقت واحدٍ ، وتمّ لعلي ما أراد واستقامت أموره .
وفي سنة ثمان وأربعمائة خالف عليه العبيد الذين كانوا بايعوه ، وقدّموا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر أخا المهدي وسمّوه المرتضي وزحفوا به إلى قرطبة ، ثم ندموا على إقامته لِما رأوه من صرامته ، وخافوا عواقب تمكُّنه فانهزموا عنه ودسّوا عليه من قتله غيلةً . وبقي عليّ بن حمود بقرطبة إلى آخر سنة ثمان وأربعمائة فقتله صقالبته في الحمام ، فكانت مدة ولايته سنة واحدة وعشرة أشهر ، وكان له من الوالد يحيى وإدريس .
ذكر ولاية المأمون القاسم بن حمود بن ميمون الفاطميّ
ولي بعد مقْتل الناصر في أواخر سنة ثمان وأربعمائة ، وكان أسنّ من الناصر بعشرة أعوام ، ونعت نسفه بالمأمون وكان يحبّ الموادعة ، فأمن الناس معه . وكان يذكر عنه أنه يتشيع ولم يُظهر ذلك ، ولا غَيَّر للناس عادة ولا مذهباً ، وكذلك سائر من ولي منهم الأندلس . فبقي القاسم إلى شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ، فقام عليه ابن أخيه يحيى بن علي بن حمود بمالقة ، فهرب القاسم عن قرطبة بغير قتال ، وصار إلى إشبيلية .
وزحف ابن أخيه المذكور من مالقة بالعساكر ، فدخل قرطبة دون مانع ، وتسمَّى بالخلافة وتلقَّب ، فبقي كذلك إلى أن اجتمع للقاسم أمره واستمال البربر ، وزحف بهم إلى قرطبة فدخلها في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة . وهرب يحيى بن علي إلى مالقة ، فبقي القاسم بقرطبة شهوراً . . ثم اضطرب أمره ، وغلب ابن أخيه يحيى على الجزيرة الخضراء وكانت معقل القاسم وبها كانت امرأته وذخائره . وغلب ابن أخيه إدريس بن علي شقيق يحيى صاحب سبتة على طنجة ، وكانت عدة القاسم يلجأ إليها إن رأى ما يخاف . وقام عليه جماعة أهل قرطبة في المدينة ، وأغلقوا أبوابه دونه ، فحاصرها نَيِّفاً وخمسين يوماً ، ثم زحف أهل قرطبةَ فانهزموا عن القاسم . ولحقت كلُّ طائفةٍ ببلدٍ فغلبت عليه ، وذلك في شعبان سنة أربع عشرة وأربعمائة وأعاد أهل قرطبة الدولة الأموية على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

الصفحة 253