كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 256 """"""
ج - ذكر ولاية المعتمد على الله
هو أبو بكر هشام بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر ، وهو أخو المرتضى ، بويع له في شهر ربيع الأول سنة ثماني عشرة وأربعمائة ، وقيل في يوم الجمعة سلخ شهر ربيع الآخر منها . وذلك أنه لما قُطِعت خطبة يحيى بن علي في سنة سبع عشرة وأربعمائةٍ اجتمع رأي أهل قرطبة على ردِّ الأمر إلى بني أمية ، وكان عميدهم في ذلك الوزير أبو الحزم جهْور بن محمد بن جهور . فراسل أهل الثغور في ذلك فاتفقوا عليه بعد مدةٍ ، فبايعوا لأبي بكرٍ وهو بالثغر في حصن البونت عند أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن قاسم .
فبقي يتردّد في الثغور سنتين وعشرة أشهر - وقيل سبعة أشهر وثارت هناك فتنٌ كثيرةٌ يطول شرحها ، واضطرابٌ شديدٌ من الرؤساء بها ، إلى أن اتفق رأيهم على أن يسير إلى قرطبة الملكُ . فسار إليها ، ودخلها في يوم من ثامن ذي الحجة سنة عشرين وأربعمائة . ولم يُقم إلا يسيراً حتى قامت عليه فرقةٌ من الجند ، فخلع قال بعض المؤرخين : كان سبب خلعه أنَّ وزيره ومدَّبر أمره أبا العاص الحكم بن سعيد كان فاسدَ الطريقة ، ولم يكن له سابقة رئاسة . فكرهه الناس فدسُّوا عليه في بعض الطرق من قال نصيحة تقربه منه - وكان أطروشاً - فأصغى إليه ليقولها في أذنه ، فجرَّه عن دابته فقتل .
وخلع المعتمد ، وخرج إلى الثغر لينتزعه من يد المنذر بن يحيى ، فمات بِلارِدَةَ - وهي في مملكة سليمان بن هود - في يوم الجمعة لأربع بقين من صفر سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة .
قال : وولي قرطبة بعده قريب من ستَّةٍ ، ثم دُعي للمؤيد هشام - وذكر أنه حيٌّ - في يوم الخميس لليلتين خلتا من المحرم سنة سبعٍ وعشرين وأربعمائة إلى أن أُشيع موت هشامٍ هذا . فتغلب على قرطبة أبو الحزم بن جهور - على ما سنورده - وانقطعت دعوة بني أمية من سائر البلاد إلى هلم . وكانت مدة ملك بني أمية ببلاد الأندلس - من سنة ثمانٍ وثلاثين ومائة وإلى هذا التاريخ - مائتي ستةٍ وتسعين ، وعدة من ملك منهم خمسة عشر ملكاً وهم :

الصفحة 256