كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
وكانت قرطبة في أيامه حرماً يأمن فيه كلُّ خائف ، ولم تزل أيامه على أحسن نظام وأكمل اتِّساق إلى أن توفي في صفر سنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة ، وتولى بعده ابنه محمد .
ذكر ولاية أبي الوليد محمد بن جهور
ولي بعده أبيه فجرى على سُنَّتهِ في تدبير الأمور ورعاية قلوب الرعية إلى أن مات ، وغلب عليها الأمير المُلَقَّب بالمأمون صاحب طليطلة إلى أن مات ، ثم استولى ابن عباد على قرطبة على ما نذكره .
ذكر أخبار مدينة طليطلة ومن ملكها بعد بني أمية وكيف كان استيلاء الفرنج عليها
أول من تغلَّب عليها بعد بني أمية مع بقائهم بقرطبة رجل يقال له ابن يعيش ، وذلك أن أهلها لما خلعوا طاعة بني أمية قدَّموه على أنفسهم وولَّوه أمرهم ، فلم تطل مدته . وصارت رئاسته إلى إسماعيل بن عبد الرحمن بن عامر بن مطرف بن ذي النون الهواري ، فتغلب على طليطلة . ولم تزل بيده إلى أن توفي في سنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة ، فقام بعده ابنه .
ذكر ولاية المأمون يحيى بن إسماعيل
وليَ طليطلة بعد أبيه ، ولما وليَ أراد أن يستعين بالفرنج على ما حوله من المدائن والحصون لينتزعها ممن هي بيده . فكتب إلى ملك من ملوك الفرنج - كان قريباً منه وبينهما مودةٌ ومراسلةٌ - يقال له شنشكند وقال له " اخرج إليَّ في مائة من فرسانك وإنني في مكان كذا لأجتمع بك في أمرٍ لك فيه راحة " فخرج إليه شنشكند في ستة آلاف فارس ، وخرج ابن ذي النون في مائتي فارس من عسكر طليطلة .
وكمّن الفرنجيُّ أصحابه خلف جبل بالقرب من الموضع وقال لهم : إذا رأيتمونا قد اجتمعنا فاخرجوا إلينا بأجمكم فلما فعلوا ذلك ورآهم المأمون سُقِط في يده ، وحيل بينه وبين عقله فقال له شنشكند : يا يحيى وحقِّ الإنجيل ما كنت أظنُّك إلا عاقلاً وإذا بك أحمق خلق الله ، خرجت إليَّ في هذا العدد القليل وسلَّمت إليَّ مُهجتك بغير عهدٍ كان بيني وبينك قبل خروجك ولا دين يجمعنا وقد أمكنني الله منك ، وحقِّ الإنجيل لا نجوت مني حتى تعطيني الحصن الفلاني والحصن الفلاني -
الصفحة 258
288