كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
ففعل ، وخرجوا لقتال يحيى بن علي المعتلي ، فركب إليهم وهو سكران فقتل كما قدَّمنا . وملك محمد بن إسماعيل إشبيلية ، وقالوا له : نخرج إلى قرمونة من قبل أن يسبقك إليها إسحاق بن عبد الله البرزالي فهمَّ محمد بذلك فسبقه إسحاق وملكها ، فكتب محمد إلى يحيى بن ذي النون الهواري صاحب طليطلة يقول له : اخرج بعسكرك أو ابعث إليَّ بعسكر مع قائدٍ من عندك حتى أخرج إسحاق بن عبد الله من قرمونة ، وأنا أعينك على أخذ قرطبة وأجعلها لك ملكاً فلما وصل كتابه إلى المأمون خرج إليه بنفسه في عسكرٍ كبير ، فاجتمعا ونزلا على قرمونة ، وحاصراها وأخرجها عنها إسحاق . وأخذها محمد بن إسماعيل وأدخل ولده إليها ، وسارا إلى قرطبة وحاصراها .
فلما رأى أهلها ما حلَّ بهم كاتبوا محمد بن إسماعيل وقالوا أنت أولى من المأمون بالبلد وأحبُّ إلينا منه فاستوثق منهم ودخلها ليلاً ويحيى لا علم له بذلك . فلما أصبح وعلم الحال رجع بعسكره إلى طليطلة وكتب إلى ابن عكاشة - وهو رجل شجاع كان بيده بعض حصون الأندلس ، يقطع حوله السبيل ويقتل التجار ويأخذ الأموال ، وهو يظهر ليحيى طاعةً مشوبةً بمعصية - فأمره أن يجمع أصحابه وعضَّده بعسكر كبير ووجههم إلى قرطبة ، فتوجهوا إليها وقد فارقها محمد بن إسماعيل إلى إشبيلية وترك ولده بها .
فدخلها ابن عكاشة ليلاً ، ودخل القصر ، وقتل كلَّ من وجد من الحرس ، وذبح ولد محمد بن إسماعيل بيده . فلما بلغ ذلك محمد جمع العساكر وخرج إلى قرطبة ، فحصر ابن عكاشة وضيق عليه ، فخرج هارباً . واستوثق من الرعية وعاد إلى إشبيلية ، فوصل إليها يحيى بن ذي النون وتغلَّب عليها . فدسَّ عليه محمد بن إسماعيل طبيبه ، فسمَّه ، فمات فعندها خلص الأمر لمحمد بن إسماعيل ، وذلك في سنة أربع وعشرين . . هكذا نقل عز الدين عبد العزيز بن شداد بن تميم بن المعز بن باديس في كتابه المترجم بالجمع والبيان ، وذكر أيضاً في هذا الكتاب أنَّ يحيى توفي في سنة ستين وأربعمائة ، وهذا فيه تنافٍ والله تعالى أعلم .
ذكر أخبار خلف الحصري المشبّه بالمؤيد هشام وقيام دعوته بمملكة محمد ابن إسماعيل ، وما قيل في ذلك
فأما قيام دعوته فإن محمد بن إسماعيل لما استولى على الأمر في سنة أربعٍ وعشرين وأربعمائة وتعاظم أمره ، حسده أمثاله وكثر الكلام فيه وقالوا " قتل يحيى بن
الصفحة 260
288