كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 261 """"""
علي الحسني من أهل البيت وقتل يحيى بن ذي النون ظلما " واتَّسع القول فيه فبقي يفكر فيما يفعله . فبينما هو كذلك إذ جاءه رجل من أهل قرطبة فقال له : إني رأيت - هشاماً في قلعة رباح فقال له محمد : انظر ما تقول فقال لأني والله رأيته وهو هشام بلا شك وكان عند محمد بن إسماعيل عبد من عبيد هشام يسمى تومرت ، - وهو الذي كان يقوم على رأس هشام - فقال له محمد : إذا رأيت مولاك تعرفه ؟ فقال : نعم ولي فيه علامات فأرسل محمد رجلين من الذين ذكروا أنهم رأوا هشاماً وقال : توجَّها إلى قلعة رباح وائتياني بهشام وأسرعا ، فتوجَّها فوجداه في مسجد في قلعة رباح ، فدخلا عليه وأعلماه أنهما رسولا القاضي محمد بن إسماعيل إليه . فسار معهما إلى إشبيلية . فلما دخل على القاضي قام إليه وسلم عليه وأنزله ووكل بخدمته تومرت مولاه . فلما رآه تومرت قيَّل يديه ورجليه وقال للقاضي : هو والله مولاي هشام ابن الحكم .
فعند ذلك قام إليه القاضي محمد بن إسماعيل وقبَّل رأسه ويديه ، وأمر بنيه فدخلوا عليه وفعلوا كفعله ، وسلَّموا عليه بالخلافة . وأخرجه محمد بن إسماعيل في يوم الجمعة إلى الجامع بمدينة إشبيلية ، ومشى هو وبنوه بين يديه رجّالةً حتى أتى المسجد ، فخطب الناس وصلى بهم الجمعة . وبايعه محمد بن إسماعيل وبنوه وجميع أهل البلد ورجع إلى موضعه ، وتولَّى محمد بن إسماعيل الخدمة بين يديه وجرى في ذلك على طريقة ابن أبي عامر ، غير أنه يخرج إلى الجمعة والأعياد ويصلي طول مدته ، ومحمد في رتبة الوزارة آمراً وناهياً عنه ، واستقام لمحمد أكثر مدن الأندلس ، فهذا كان سبب قيام دعوته .
وأما ما نقل من أخباره فقد ذكرنا في أخبار بني أمية أن المستعين بالله سليمان بن الحكم لما فتح قرطبة المرة الثانية في شوّال سنة ثلاث وأربعمائة أحضره ووبَّخه ، وأن المؤيد فُقِد لخمسٍ خلون من شوال . وذكرنا أيضاً أنَّ الناصر عليّ بن حمّود الفاطميّ لما ملك قرطبة أحضر المستعين وسأله بحضرة الفقهاء والوزراء عن المؤيد هشام فقال " مات فألزمه أن يريه قبره فأخرجه دفيناً لا أثر فيه فأمر الناصر بتكفينه ودفنه في الروضة " .
وقيل بل هرب بنفسه إلى المشرق مستخفياً حتى وصل مكة - شرَّفها الله - وكان معه كيسٌ فيه جوهر وياقوت ونفقة ، فشعر به حرَّابة مكة ، فأخذوه منه ، فمال إلى جهةٍ من الحرم وأقام يومين لم يُطعم طعاماً . فمضى إلى المروة فأتاه رجل فقال

الصفحة 261