كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 262 """"""
له تُحسن عمل الطين ؟ قال : نعم فمضى به إلى تراب ليعجنه ووافقه على درهم وقرصة ، فقال له : عجِّل القرصة فإني جائع فأتاه بها فأكلها ، ثم عمد إلى التراب فكان مرةً يعجن ومرةً يجلس ، فلما طال عليه ذلك تركه ومضى هارباً على وجهه .
وخرج مع القافلة إلى الشام على أسوأ حالٍ ، فوصل إلى بيت المقدس ، فمشى في السوق فرأى رجلاً يعمل الحصر الحلفاء فنظر إليه فقال له الحصري : كأنَّك تحسن هذه الصناعة قال : لا قال : فتقيم عندي تناولني الحلفاء وأجعل لك أجرة على ذلك . قال : أفعل ، فأقام عنده يناوله ويعاونه على ما يأمره به من أمور صناعته ، فتعلم هشام صناعة الحصر ، فصار يعلمها ويتقوّت منها . وأقام ببيت المقدس أعواماً كثيرةً لم يعلم به أحدٌ ، ثم رجع إلى الأندلس في سنة أربع وعشرين وأربعمائة . . هكذا روى جماعة من مشايخ الأندلس وقال الإمام الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم في كتابه المسمى " نقط العروس في هذه الحكاية : أخلوقة لم يقع في الدهر مثلها ، وإنما ظهر رجل يقال له خلف الحصري بعد نيف وعشرين سنة من موت هشام بن الحكم المؤيد وادَّعى أنه هشام ، وبويع له على جميع منابر الأندلس في أوقات شتى ، وسفك الدماء وتصادمت الجيوش في أمره .
وقال أبو محمد بن حزم : وفضيحة لم يقع في الدهر مثلها ، أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام في مثلها يُسمَّى كلُّ واحدٍ منهم يا أمير المؤمنين ، ويخطب لهم في زمن واحد ، أحدهم خلف الحصريّ المذكور بإشبيلية على أنه هشام بن الحكم المؤيد ، والثاني محمد بن القاسم بن حمّود بالجزيرة الخضراء ، والثالث محمد بن إدريس بن علي بن حمّود بمدينة مالقه ، والرابع إدريس بن يحيى بن علي بشنترين . وأقام المدَّعى أنه هشام بن الحكم نيِّفاً وعشرين سنةً والقاضي محمد بن إسماعيل في رتبة الوزير بين يديه ، والأمر إليه . وقد استقام لمحمدٍ أكثر بلاد الأندلس ، ودفع به كلام الحسّاد وأهل العناد ، إلى أن توفي هشام المذكور . فاستبد القاضي بالأمر بعده وملك أكثر مدن الأندلس وحصونها . ولم ينتقل عن مدينة إشبيلية

الصفحة 262