كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 264 """"""
يشيِّعونه إلى قرب إشبيلية ، فصرفهم ودخل . وأرسلوا من قبض لهم ما كتب به ، ثم أغفلهم ستَّة أشهر وكتب إليهم يستدعيهم لوليمةٍ ، فجاءه سبعون رجلاً منهم فأنزلهم عند رجاله ، وأنزل معاذاً عنده . وأمر بهم فأُدخِلوا حماماً ، وبنى عليهم بابه ، فماتوا جميعاً ، فعزَّ ذلك على معاذ بن أبي قرة فقال له عبّاد : لا تُرع فإنهم قد حضرت آجالهم وقد أرادوا قتلى ، ولولاك ما كنت ناجياً منهم ، وإنما جعل الله صيانة دمي بك ، فإن أردت الرجوع إلى بلدك رددتك على أجمل الوجوه وأحسنها وأسرِّها فقال له معاذ : بأيِّ وجه أرجع أنا دونهم ؟ فأمر له المعتضد بألف دينارة وعشرة أفراس وثلاثين جارية وعشرة أعبدٍ ، وأنزله في قصرٍ من أعظم قصوره ، وأقطعه في كلِّ عام أثنى عشر ألف دينار ، وكان ينفذ إليه في كل يوم التُّحف والطرف . ولم يكن يحضر مجلسه أحدٌ قبله إلى أن مات عبّاد فأوصى ولده بمعاذ وقال : يا بني احفظني فيه فجرى فيه على عادة أبيه ، ودام بإشبيلية حتى انقرضت دولة بني عبّاد .
قال بعض أهل إشبيلية : رأيت معاذ بن أبي قرة يوم دخل يوسف بن تاشفين إشبيلية أوَّل النهار وعليه ثوب ديباج مخرطم بالذهب وأمامه نحو ثلاثين عبداً ، ورأيته آخر النهار عليه مليسٌ مشتمل به فسبحان من لا يزول ملكه ، نسأل الله تعالى أن لا يلبسنا ثوب نعمةٍ أنعمها علينا بمنِّه وكرمه . وفي أيام عبّاد توفي الإمام الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن سعدان بن سفيان بن يزيد الفارسي مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية . أصل آبائه من قرية مُنت ليسم من عمل الولبة من كور غرب الأندلس ، وسكن هو وآباؤه قرطبة ونالوا بها جاهاً عريضاً ومالاً وممدوداً . وولَّى ابن أبي عامر جدَّه سعيداً الوزارة ، وولى أبو محمدٍ هذا الوزارة في أيام المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار الأموي . وكان مولده يوم الأربعاء ساخ شهر رمضان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ، ووفاته في سلخ شعبان سنة سبع وخمسين وأربعمائة ، وكانت مدة حياته اثنتين وسبعين سنة وأحد عشر شهراً . وله كثير من المصنَّفات ، ذكر أنه اجتمع مع الإمام أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب التواليف - وقيل بل الفقيه إبراهيم الخفاجي - فجرت بينهما مناظرة ،

الصفحة 264