كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 265 """"""
فلما انقضت قال الفقيه أبو الوليد : تعذرني فإن أكثر مطالعتي كانت على سرج الحرَّاس فقال له ابن حزم : وتعذرني أيضاً فإن أكثر مطالعتي كانت على منابر الذهب والفضة وفي سنة ستين وأربعمائة توفي المعتضد بالله عبّاد بن محمد ، وحكي أنه استحضر مغنياً يغنيه ليجعل أوَّل ما يبدأ به فألاً فكان أول شعر قاله :
نطوي الليالي علماً أن ستطوينا . . . فشعشعينا بماءٍ المزن واسقينا
فمات بعد خمسة أيام رحمه الله ، ولما مات ولي بعده ابنه محمد .
ذكر ولاية المعتمد على الله محمد بن عباد
ابن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عبّاد ، وكنيته أبو القاسم . ولي بعد وفاة أبيه في سنة ستين وأربعمائة ، وقيل في سنة إحدى وستين ، وكان مولده بباجة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة ، فكان عمره حين ولي ثلاثين سنة . وكان فيه أدب وشعر وكرم وتواضع وشجاعة ، قال أبو بكر محمد بن عيسى المعروف بابن اللبانة كاتبه يصف الدولة العبادية " كانت الدولة العبادية تشبه العباسية ، بها وسعة ملك ووثاق عهد وانتظام عقد ، وعدل أئمة واعتدال أمة ، كان أربابها يتنافسون في المكارم ويتغايرون على الشرف المتقادم .
من حلبة السَّبق لا برقٌ يخاطفها . . . إلى مداها ولا ريحٌ يجاريها
تردُّهم نسبةٌ نحو السماء فهم . . . من مائها ، وعلاهم من دراريها
يشير إلى المنذر بن ماء السماء ، ثم قال " جمعوا كرم الأخلاق إلى شرف الأعراق ، وحملوا حلى الآداب على الأحساب ، وعضَّدوا البأس بالكرم وأيَّدوا بالسيف والقلم .
نفرٌ إلى ماءٍ السماء نماهم . . . نسبٌ على أوج النجوم مخيَّم
بالبيض والبيضات والخلق اكتسوا . . . فتوشَّحوا وتتوَّجوا وتعممَّوا
وكان بهذا البيت سرير الفلك الدائر وغريبه البحر الزاخر المعتمد على الله المؤيد بنصر الله أبو القاسم محمد " وذكر نسبه ، ثم قال : من بني المنذر وهو انتساب . . البيتين ، وقد ذكرناهما آنفاً ، وقال تلوهما : وكذلك يطَّرد النَّسب إطراد الشآبيب ، ويتَّسق اتساق الأنابيب ، فهو كما قيل :
شرفٌ يُنقَّلُ كابراً عن كابر . . . كالرُّمح أنبوبٌ على أنبوب

الصفحة 265