كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 266 """"""
إلى مركز الدائرة من لخم وواسطة المنتخبين من يعرب وقحطان ثم ذكر مولده وولايته على ما قدمنا وذكر خلعه في سنة أربع وثمانين على ما نذكره إن شاء الله .
وكان سبب خلعه وانقراض دولته أن الفرنج - لعنهم الله - استولوا على طليطلة وملكها الأذفونش - وهو ألفنش - في سنة ثمانٍ وسبعن وأربعمائة على ما قدمناه . وكان المعتمد . يؤدِّي إليه ضريبةً في كلِّ سنة ، فلما سيّرها إليه بعد استيلائه على طليطلة لم يقبلها وأعادها ، وأرسل إليه يتوعده ويقول له : أنا آخذ مدينة قرطبة كما أخذت طليطلة إلا أن ترفع يدك عن جميع الحصون وتسلِّمها إلينا ويكون لك السَّهل من البلاد وكان الرسول شلبيب اليهوديَّ ومعه خمسمائة فارس ، وطلب منه اثني عشر ألف دينار ، فأمر المعتمد بإنزال الخيالة على أهل العسكر متفرقين وأمر كلَّ من عنده فارس منهم أن يقتله . ولما جنَّ الليل أحضر اليهوديَّ وكشف رأسه ، وأمر بضربه بالنعال المسمرة ، حتى خرجت عيناه من رأسه . وهرب من الخيالة ثلاثة ، فوصلوا إلى الأذفوشن وأعلموه بقتل أصحابه وكان متوجهاً إلى قرطبة يريد حصارها - فلما جاءه الخبر رجع إلى طليطلة ليستعد ويهيِّئ آلات الحصار . فلما سمع المعتمد برحيله إلى طليطلة سار هو إلى إشبيلية فبلغَّ مشايخ قرطبة ما جرى ، فاجتمعوا بالفقهاء وقالوا : هذه مدائن الأندلس قد غلب عليها الفرنج ولم يبق منها إلا القليل ، وإن استمرّت الأحوال على ما نرى عادت نصرانيةً كما كانت ثم ساروا إلى القاضي عبد الله بن محمد بن أدهم فقالوا له : ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصّغار والذلة وإعطائهم الجزية إلى الفرنج بعد أن كانوا يأخذونها منهم ، وابن عباد هو الذي حمل الفرنج على المسلمين حتى جرى ما جرى وطلب منه ما طلب ، وقد دبَّرنا رأياً نعرضه عليك قال : وما هو ؟ قالوا : نكتب إلى عرب أفريقية ونعلمهم أنهم إن وصلوا إلينا قاسمناهم في أموالنا وخرجنا معهم مجاهدين في سبيل الله تعالى قال : أخاف أن يخرجوا الأندلس كما فعلوا بأفريقية ويتركوا الفرنج ويبدأوا بكم والمرابطون أقرب إلينا وأصلح حالاً . قالوا : فكاتب يوسف بن تاشفين ورغِّب إليه أن يدخل إلينا بنفسه أو يرسل إلينا قائداً من قوّاده . قال : أمَّا الآن فقد أشرتم برأي فيه السّداد وقدم المعتمد إلى قرطبة في أثر ذلك ، فدخل عليه القاضي وأعلمه بما دار بينه وبين أهل قرطبة وما اتفقوا عليه ، فقال المعتمد : نِعمَ ما أشاروا به وأنت رسولي إليه فامتنع القاضي واستعفاه وإنما أراد أن يقوِّى عزمه على إرساله فقال : لا أجد لها غيرك .

الصفحة 266