كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
وقرأ سورة الفيل ، وقوله تعالى " فإذا نُقر في الناقور فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكافرين غير يسيرٍ " . وذلك يقتضي هلاك الجيش الذي تجمعه .
فلما اجتمع الجيش وعبأه أعجبته كثرته ، فاستحضر المُعبر وقال له : هذا الجيش الذي ترى ألقى به محمداً صاحب كتابكم فانصرف المُعبِّر عنه وقال : هذا الملك هالك لا محالة وكلُّ من معه فإنه قد أُعجب بجمعه . . وذكر قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) " ثلاث مهلكات " الحديث . . .
قال : وسار المعتمد بن عبّاد وأمير المسلمين بالعساكر حتى أتوا موضعاً يقال له الزلاَّقة من بلد بطليموس وأتى الأذفونش فنزل موضعاً بينه وبينهم - ثمانية عشر ميلاً ، فقيل ليوسف بن تاشفين إنَّ ابن عبّاد ربما لم يُنصح لا يبذل نفسه دونك ، فأرسل تقول له " كن في المقدمة ونكون نحن في أثرك " . فتقدم ابن عباد . وضرب الأذفونش خيامه في سفح جبل والمعتمد بن عبّاد في سفح جبل آخر بحيث يتراءان ، ونزل يوسف بن تاشفين في جبل من وراء الجبل الذي فيه المعتمد . وظنَّ الأذفونش أن عسكر المسلمين ليس إلاَّ ذاك الذي يظهر له مع المعتمد والأذفونش في زهاء خمسين ألف فارس ، فما شكَّ أنه الغالب واستعمل الخدعة . وأرسل ابن عباد في ميقات اللقاء يوم الخميس ، وقال : نحن قد وصلنا على حال تعبٍ وأمامكم الجمعة وأمامنا الأحد فيكون اللقاء يوم الاثنين بعد أهبةٍ فاستقر الأمر بينهما على ذلك .
ثم ركب الأذفونش صبيحة الجمعة ليلاً ، وصبَّح بجيشه جيش المعتمد ، فوقع القتال بينهم ، فصبر المسلمون وقتل منهم خلقٌ كثيرٌ ، وأشرفوا على الانهزام . وقد كان المعتمد أرسل إلى ابن تاشفين فقال للأدلَّة : احملوني إلى مضارب الأذفونش فما شعر الفرنج إلا وقد نُهبت خيامهم وخزائن الأذفونش وعُدده ، والقتل يُعمل فيهم من وراء ظهورهم . فلم يتمالك الفرنج أن انهزموا وأخذهم السيف من كلِّ مكان ، فقتلوا عن آخرهم ، فما سلم إلا آحاد وهرب الأذفونش في نفر يسير ودخل طليطلة في سبعة فوارس ، ولم يرجع من الفرنج إلى بلادهم غير ثلاثمائة نفرٍ أكثرهم رجّالة .
وكانت هذه الوقعة في يوم الجمعة في العشر الأول من شهر رمضان سنة تسع وسبعين وأربعمائة ، وأصاب المعتمد جراحاً في وجهه ، ووصف في ذلك اليوم بالشجاعة . وغنم المسلمون من أموال الفرنج وأسلحتهم مالا يُحصى كثرةً ، وجعل المسلمون رؤوس القتلى كوماً كبيراً وصعدوا عليه وأذَّنوا إلى أن جافت فأحرقوها .
الصفحة 268
288