كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 269 """"""
وعاد المعتمد إلى إشبيلية ، ورجع أمير المسلمين إلى الجزيرة الخضراء وعدّى إلى سبته وسار إلى مراكش . وعاد في السنة الثانية إلى جزيرة الأندلس وحاصر طليطلة هو وابن عبّاد وصاحب غرناطة ، فلم يتهيأ لهم فتحه ، فرجع وأخذ غرناطة من صاحبها عبد الله بن بلكمين ، وهي أول ما ملكك من بلاد الأندلس على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
ذكر انقراض الدولة العبادية وشيء من أخبار المعتمد
وشعره في سنة أربع وثمانين وأربعمائة أتى يوسف بن تاشفين إلى سبتة ودخل العساكر إلى الأندلس مع سيرين بن أبي بكر ، فقصدوا مدينة إشبيلية ، فحصروا المعتمد وضيقوا عليه . فقاتل قتالاً شديداً ، وظهر من شجاعته وشدَّة بأسه وحُسن دفاعه عن بلده ما لم يُشاهد من غيره فسمع الفرنج بقصد عساكر المرابطين بلاد الأندلس ، فخافوا أن يملكوها ثم يقصدوا بلادهم ، فجمعوا وأكثروا وساروا لمساعدة المعتمد وإغاثته على المرابطين . فلما سمع بمسيرهم فارق إشبيلية وتوجّه إلى لقاء الفرنج ، وقابلهم وهزمهم ، ورجع إلى إشبيلية . وداوم الحصار والقتال إلى العشرين من شهر رجب من السنة ، فعظم الخطب واشتد الأمر على أهل البلد . ودخله المرابطون من واديه ونهبوا الأموال ، ولم يبقوا على شيء حتى سلبوا الناس ثيابهم ، وخرجوا من مساكنهم يسترون عوراتهم بأيديهم .
وأُسر المعتمد ومعه أولاده الذكور والإناث ، بعد أن استأصلوا جميع أموالهم . وقيل إن المعتمد سلَّم البلد بأمان ، وكتب نسخة الأمان والعهد ، واستحلفهم على نفسه وأهله وماله وعبيده وجميع ما يتعلق به . فلما سلَّم إليهم إشبيلية لم يفوا له ، وسيِّر المعتمد إلى مدينة أغمات ، فحُبسوا بها ، وفعل أمير المسلمين أفعالاً قبيحةً لم يفعلها أحد قبله . وذلك أنه سجنهم ولم يُجر عليهم ما يقوم بهم ، حتى كان بنات المعتمد يغزلن للناس بأجرة ينفقونها على أنفسهم ، فأبان أمير المسلمين في ذلك عن لؤم طباع وضيق نفس .
قال : وبقي المعتمد في حبسه بأغمات إلى سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة ، فتوفي فيها ، وقبره بأغمات . فكان من بني عبّاد ثلاثة ؛ القاضي محمد بن إسماعيل ، وابنه عباد ، ومحمد بن عبّاد هذا ، ومدة مُلكهم ستون سنةً ،

الصفحة 269