كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
وكان له من الأولاد الذكور والإناث .
وكان رحمه الله من محاسن الزمان كرماً وعلماً ورئاسةً وأخباره مشهورة وآثاره مدوَّنة . وقد ذكره ابن خاقان في " قلائد العقيان " ، وذكر شيئاً من نظمه ونثره . وكان شاعره أبا بكر محمد بن عيسى الداني المعروف بابن اللبَّانة يأتيه في سجنه فيمدحه لإحسانه القديم إليه وبرِّه الذي بقيت آثاره مع طول الزمن عليه ، قال ابن اللبَّانة : فأمضيت عزيمتي بعد انقضاء الدولة في زيارته ، فوصلت إليه بأغمات ، فقلت في ذلك أبياتاً عند دخولي عليه . لم أقل في النِّقاف كان نفاقاً . . . كنت قلباً له وكان شغافا
يمكث الزَّهر في الكمام ولكن . . . بعد مُكث الكمام يدنو قطافا
وإذا ما الهلال غاب بغيمٍ . . . لم يكن ذلك المغيب انكسافا
إنما أنت درّةٌ للمعالي . . . ركَّب الدَّهر فوقها أصدافا
حجب البيت منك شخصاً كريماً . . . مثل ما يحجب الدِّنان السلافا
أنت للفضل كعبةٌ ولو أنِّي . . . كنت أستطيع لالتزمت الطَّوافا
قال : وجرت بيني وبينه مخاطباتٌ ألذُّ من غفلات الرقيب ، وأشهى من رشفات الحبيب ، وأدلُّ على السماح ، من فجرٍ على صياح - قال - فلما قاربت الصدر وأزمعت السفر ، صرف حبله واستنفذ ما قبله ، وبعث إليّ شرف الدولة ابنه - وكان من أحسن الناس سمتاً وأكثرهم صمتاً ، تخجله اللفظة وتجرحه اللحظة ، حريصاً على طلب الأدب مسارعاً في اقتناء الكتب ، مثابراً على نسخ الدواوين ففتَّح من خطِّه فيها زهر البساتين - بعشرين مثقالاً مرابطية وثوبين غير مخيطين ، وكتب مع ذلك أبياتاً منها :
إليك النَّزر من كفِّ الأسير . . . وإن تَقنع نكن عين الشَّكور
تَقبَّل ما ندوت به جباءً . . . وإن غدرته حالات الفقير
قال ابن اللبَّانة فأجبته :
حاش لله أن أُحيج كريماً . . . يتشكَّى فقراً وكم سدَّ فقرا
الصفحة 270
288