كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 272 """"""
المغرب إلى الأندلس في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ، فقصد المعتمد ، وأقام عنده إلى أن خلع ، فكتب إليه المعتمد بعد أن عاد إلى المهدية :
غريبٌ بأقصى المغربين أسير . . . يُبكِّى عليه منبرٌ وسرير
أذلَّ بني ماء السماء زمانهم . . . وذلُّ بني ماء السماء كثير
فما ماؤها إلا بكاءٌ عليهم . . . يفيض على الآفاق منه بحور
فأجابه محمد بن حمديس :
جرى لك جدٌّ بالكرام عثور . . . وجار زمانٌ كنت منه تجير
لقد أصبحت بيض الظُّبا في غمودها . . . إناثاً بترك الضَّرب وهي ذكور
ولما رحلتم بالنَّى في أكفِّكم . . . وقُلقل رضوى منكم وثبير
رفعت لساني بالقيامة قد دنت . . . ألا فانظروا كيف الجبال تسير ؟ قال ولما توفي المعتمد وقف ابن اللبانة على قبره في يوم عيدٍ - والناس عند قبور أهاليهم - وأنشد بصوتٍ عال :
ملك الملوك أسامعٌ فأنادي . . . أم قد عداك عن الجواب عواد
لما خلت منك القصور ولم تكن . . . فيها كما قد كنت في الأعياد
قبَّلت في هذا الثرى لك خاضعاً . . . واتخذت قبرك موضع الإنشاد
وأخذ في إتمام القصيدة ، فاجتمع الناس كلُّهم عليه يبكون لبكائه وإنشاده . وحكى بعض المعتنين بأخبارهم أن فخر الدولة ابن المعتمد على الله مرَّ يوماً في بعض شوارع مدينة إشبيلية ، فطمحت عينه إلى روشنٍ قرأى وجهاً حسناً فتعلَّق قلبه به ، ولم يمكنه الوصول ، فخامره الهوى ومرض من ذلك . فاتصل خبره بأبيه ، فسأل عن المرأة فقيل إنها ابنة رجلٍ خبازٍ ، فأمر الوزير أن ينفذ إلى أبيها ويخطبها منه . فأرسل إليه الوزير فعلم ما يراد به ، فامتنع من الوصول إليه وقال : هو أحقُّ بالوصول إليّ في هذه الحالة

الصفحة 272