كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 30 """"""
وفيها توفي إبراهيم بن حمدان في المحرم ، وحج بالناس في هذه السنة أحمد بن العباس .
ودخلت سنة تسع وثلاثمائة :
ذكر قتل الحسين بن منصور الحلاج وشيء من أخباره
وفي هذه السنة قتل الحسين بن منصور الحلاج الصوفي ، وأحرق بالنار وكان ابتداء حاله أنه كان يظهر الزهد والتصوف ، ويظهر الكرامات ويخرج للناس فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف . ويمد يده في الهواء فيعيدها مملوءة دراهم وعليها مكتوب " قل هو الله أحد " ويسميها دراهم القدرة . ويخبر الناس بما أكلوه وما صنعوه في بيوتهم ، ويتكلم بما في ضمائرهم . فافتتن به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول ، واختلفت فيه اعتقاداتهم ، فمن قائل إنه حل فيه جزء إلهي ويدعى فيه الربوبية ، ومن قائل إنه ولي الله تعالى وإن الذي يظهر منه من جملة كرامات الصلحاء ، ومن قائل إنه مشعبذ وممخرق وساحر كذاب ومتكهن وإن الجن تطيعه فتأتيه بالفاكهة في غير أوانها .
وكان قدم من خراسان إلى العراق وسار إلى مكة وأقام بها سنة في الحجر لا يستظل تحت سقف صيفاً ولا شتاء ، وكان يصوم الدهر فإذا جاء وقت العشاء أحضر له القوم كوز من ماء وقرصاً فيشرب ويعض من القرص ثلاث عضات من جوانبها فيأكلها ويترك الباقي فيأخذونه ، ولا يأكل شيئاً آخر إلى وقت الفطر من الليلة الثانية . وكان شيخ الصوفية يومئذ بمكة عبد الله المغربي فأخذ أصحابه وجاء لزيارة الحلاج فلم يجده في الحجر ، وقيل قد صعد إلى جبل أبي قبيس ، فصعد إليه فوجده على صخرة حافياً مكشوف الرأس ، والعرق يجري منه إلى الأرض ، فأخذ أصحابه وعاد ولم يكلمه وقال : هذا يتصبر على قضاء الله وسوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقدرته وعاد الحسين إلى بغداد .

الصفحة 30