كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 31 """"""
وأما سبب قتله فإنه نقل عنه عند عوده إلى بغداد إلى الوزير حامد بن العباس أنه أحيا جماعة وأنه يحي الموتى وأن الجن يخدمونه فيحضرون عنده بما يشتهي ، وإنه قدموه على جماعة من حاشية الخليفة ، وإن نصراً الحاجب قد مال إليه هو وغيره . فالتمس حامد من المقتدر أن يسلم إليه الحلاج وأصحابه فدفع عنه نصر الحاجب وألح الوزير في طلبه ، فأمر المقتدر بتسليمه إليه ، فأخذ وأخذ معه إنسان يعرف بالشميري وغيره - قيل أنهم كانوا يعتقدون أنه إله - فقررهم حامد فاعترفوا أنهم قد صح عندهم أنه إله وأنه يحي الموتى ، وقابلوا الحلاج على ذلك ، فأنكره وقال : أعوذ بالله أن أدعي الربوبية والنبوة وإنما أنا رجل أعبد الله عز وجل فأحضر الوزير القاضي أبا عمر والقاضي أبا جعفر بن البهلول وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم فقالوا : لا نفتي في أمره بشيء إلا أن يصح عندنا ما يوجب قتله ، ولا يجوز قبول قول من يدعي عليه ما ادعاه إلا ببينة أو إقرار وكان حامد يخرج الحلاج إلى مجلسه ويستنطقه فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة ، وطال الأمر وحامد مجد له في أمره ، وجرى له معه قصص يطول شرحها . وفي آخرها أن الوزير رأى له كتاباً حكى فيه أن الإنسان إذا أراد الحج ولم يمكنه أفرد من داره بيتاً لا يلحقه شيء من النجاسات ولا يدخله أحد ، فإذا حضرت أيام الحج طاف حوله وفعل ما يفعله الحاج بمكة ، ثم يجمع ثلاثين يتيماً ويعمل أجود طعام يمكنه ويطعمهم في ذلك البيت ويتولى خدمتهم بنفسه ، فإذا فرغوا كساهم وأعطى كل منهم تسعة دراهم ، فإذا فعل ذلك كان كمن حج فلما قرئ هذا على الوزير قال القاضي أبو عمر للحلاج : من أين لك هذا ؟ قال من كتاب الإخلاص للحسن البصري . قال له القاضي : كذبت يا حلال الدم قد سمعناه بمكة وليس فيه هذا . فلما قال له يا حلال الدم وسمعها الوزير قال : له : اكتب بهذا رقعة ، فدافعه أبو عمر فألزمه حامد فكتب بإباحة دمه وكتب بعده من حضر المجلس . قال : ولما سمع الحلاج ذلك قال : ما يحل لكم دمي واعتقادي الإسلام ومذهبي السنة ولي فيها كتب موجودة فالله الله في دمي وتفرق الناس ، وكتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه في قتله وأرسل إليه الفتاوي فأذن في قتله فسلمه الوزير إلى صاحب الشرطة فضربه ألف سوط . فما تأوه ثم قطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم قتل وأحرق بالنار فلما صار رماداً ألقي في دجلة ونصب رأسه ببغداد وأرسل إلى خراسان لأنه كان له بها أصحاب ، وأقبل بعض أصحابه يقولون : إنه لم يقتل وإنما ألقي شبهه على دابة وإنه يعود بعد أربعين يوماً

الصفحة 31