كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
تأخير أرزاقهم ، فإن علي بن عيسى كان يؤخرها ، فإذا اجتمع لهم عدة شهور أعطاهم البعض ، وحط من أرزاق العمال في كل سنة شهرين وكذلك من أرزاق من له رزق فزادت عداوة الناس له . وكان حامد بن العباس قد ضجر في المقام ببغداد وليس له من الأمر شيء غير لبس السواد ، وأنف من إطراح علي بن عيسى لجانبه ، فإنه كان يهينه في توقيعاته بالإطلاق عليه لضمانه بعض الأعمال ، فكان يكتب ليطلق جند الوزير أعزه الله ، وليبادر نائب الوزير ، وكان إذا شكا إليه بعض نواب حامد يكتب على القصة إنما عقد الضمان على النائب الوزيري عن الحقوق الواجبة السلطانية فليتقدم إلى عماله بكف الظلم عن الرعية .
فاستأذن حامد وسار إلى واسط لينظر في ضمانه فأذن له ، وجرى بين مفلح الأسود وبين حامد كلام فقال له حامد : لقد هممت أن أشتري مائة خادم أسود أسميهم مفلحاً وأهبهم لغلماني فحقدها مفلح - وكان خصيصاً بالمقتدر - فسعى معه المحسن بن الفرات لوالده بالوزارة وضمن أموالاً جليلة ، وكتب على يده رقعة يقول إن سلم إليه الوزير وعلي بن عيسى وابن الحواري وشفيع اللؤلؤي ونصر الحاجب وأم موسى القهرمانة والماذرائيون استخرج منهم سبعة آلاف ألف دينار وكان المحسن مطلقا ، وكان يواصل السعاية بهؤلاء الجماعة ، وذكر ابن الفرات للمقتدر ما كان يأخذه ابن الحواري في كل سنةٍ من المال فاستكثره .
فقبض على علي بن عيسى في شهر ربيع الآخر وسلم إلى زيدان القهرمانة فحبسته في الحجرة التي كان ابن الفرات محبوساً فيها ، وأطلق ابن الفرات وخلع عليه ، وتولى الوزارة وخلع على ابنه المحسن ، وهذه الوزارة الثالثة لابن الفرات .
قال : وسير ابن الفرات إلى واسط من يقبض على حامد فهرب واختفى ببغداد ، ثم إن حامداً لبس زي راهب وخرج من مكانه الذي كان فيه ومشى إلى نصر الحاجب ودخل عليه وسأله إيصال حاله إلى الخليفة إذا كان عند حرمه ، فاستدعى نصر مفلحاً الخادم فلما رآه قال : أهلاً بمولانا الوزير أين مماليك السودان الذين سميت كل واحدٍ منهم مفلحاً فسأله نصر أن لا يؤاخذه وقال له : حامد يسأل أن يكون محبسه في دار الخلافة ولا يسلم إلى ابن الفرات . فدخل مفلح وقال ضد ما قيل له فأمر المقتدر بتسليمه إلى ابن الفرات ، فأرسل إليه فحبسه في دارٍ حسنةٍ وأجري له من الطعام والكسوة والطيب وغير ذلك ما كان له