كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 36 """"""
وحضر نصر الحاجب المشورة فانبسط لسانه على ابن الفرات وقال : الساعة تقول : أي شيء نصنع وما هو الرأي بعد أن زعزعت أركان الدولة وعرضتها للزوال ، في الباطن بالميل مع كل عدو يظهر ومكاتبته ومهاداته ، وفي الظاهر بإبعادك مؤنساً ومن معه إلى الرقة وهم سيوف الدولة ، فمن يدفع الآن هذا الرجل إذا قصد الحضرة أنت أم ولدك ؟ وقد ظهر الآن مقصودك بإبعاد مؤنس وبالقبض علي وعلى غيري ، أن تستضعف الدولة وتقوي أعداءها لتشفي غيظك ممن صادرك وأخذ أموالك ومن الذي سلم الناس إلى القرمطي غيرك لما يجمع بينكما من التشيع والرفض ؟ وقد ظهر أيضاً أن ذلك العجمي من أصحاب القرمطي وأنت أوصلته فحلف ابن الفرات أنه ما كاتب القرمطي ولا هاداه ولا رأى ذلك الأعجمي إلا تلك الساعة ، والمقتدر معرض عنه . وأشار نصر على المقتدر بالله أن يحضر مؤنساً ومن معه ففعل ذلك ، وكتب إليه بالحضور ففعل وسارع ، وقام ابن الفرات فركب فرجمه العامة ، ثم وصل مؤنس المظفر إلى بغداد ، ولما رأى المحسن . ابن الفرات انحلال أمورهم أخذ كل من كان محبوساً فقتله ، لأنه كان قد أخذ منهم أموالاً جليلية ولم يوصلها إلى المقتدر فخاف أن يقروا عليه بما أخذه منهم .
ذكر القبض على ابن الفرات الوزير وولده المحسن
قال : ثم كثر الإرجاف على ابن الفرات فكتب إلى المقتدر يعرفه بذلك ، وأن الناس إنما عادوه لشفقته ونصحه وأخذ حقوقه منهم فأنقذ المقتدر إليه يسكنه ويطيب قلبه فركب هو وولده إلى المقتدر فطيب قلوبهما ، وخرجا من عنده فمنعهما نصر الحاجب ووكل بهما ، فدخل مفلح على المقتدر وأشار عليه بتأخير عزله فأمر بإطلاقهما فخرجا ، فأما المحسن فإنه اختفى ، وأما الوزير فإنه جلس عامة نهاره يقضي الأشغال إلى الليل ثم بات مفكراً ، فلما أصبح سمع بعض خدمه ينشد :
وأصبح لا يدري وإن كان حازماً . . . أقدامه خير له أم وراءه
فلما ارتفع النهار وهو الثامن من شهر ربيع الأول أتاه نازوك ويلبق في عدة من الجند فدخلوا عليه وهو عند حرمه فأخرجوه حافياً مكشوف الرأس فألقى عليه يلبق طيلساناً غطى به رأسه وحمل إلى طيار فيه مؤنس المظفر ومعه هلال بن بدر فاعتذر

الصفحة 36