كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
فأحضرها نصر الحاجب فأخبرته الخبر فطالع به المقتدر ، فأمر صاحب الشرطة أن يسير معها فسار معها إلى منزلها وأخذ المحسن وجاء به إلى المقتدر ، فبعث به إلى دار الوزارة فعذب بأنواع العذاب ليجيب إلى مال يحمله فقال : لا أجمع بين الروح والمال فأمر المقتدر بحمله مع أبيه إلى دار الخلافة فقال الوزير أبو القاسم لمؤنس وهارون بن غريب الخال ونصر الحاجب : إن نقل ابن الفرات إلى دار الخلافة بذل أمواله وأطمع المقتدر في أموالنا وضمنناً منه وتسلمنا فأهلكنا فوضعوا القواد والجند وقالوا : لا بد من قتل ابن الفرات وولده فإننا لا نأمن على أنفسنا ما داما في الحياة فأمر المقتدر نازوك بقتلهما فبدأ بقتل المحسن فذبحه كما تذبح الشاة وحمل رأسه إلى أبيه فارتاع لذلك ، ثم عرض أبوه على السيف فقال : راجعوا في أمري فإن عندي أولاً جمة وجواهر كثيرة ، فقبل له جل الأمر عن ذلك . ثم ذبح في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الآخر منها ، وكان عمره إحدى وسبعين سنة وعمر ولده ثلاثاً وثلاثين سنة وحمل رأساهما إلى المقتدر فأمر بتفريقها .
ولما قتلا ركب هارون بن غريب الخال مسرعاً إلى الوزير الخاقاني وهنأه بقتلهما فأغمي عليه حتى ظن هارون ومن هناك أنه مات ، وصرخ عليه أهله ، ثم أفاق من غشيته وأعطى هارون ألفي دينار . وشفع مؤنس في ابني ابن الفرات عبد الله وأبي نصر فأطلقا له ، فخلع عليهما ووصلهما بعشرين ألف دينار من ماله .
قال : وكان ابن الفرات كريماً ذا رياسة وكفاية في عمله ، حسن السؤال والجواب ، وكان مصطنعاً للناس ، فإن جميع كتابه الذين اصطنعهم صاروا وزراء . وكان يستغل من ضياعه في كل سنة ألفي ألف دينار وينفقها ، وكان إذا وزر غلا الشمع والكاغد والسكر والكافور لكثرة استعماله لذلك وكان يجري على خمسة آلاف من أهل العلم والدين والبيوتات والفقراء ، قال الصولي : ومن فضائله التي لم يسبق إليها أنه كان إذا رفعت له قضية فيها سعاية بأحد خرج من حضرته غلام فينادي ابن فلان بن فلانٍ الساعي فامتنع الناس من السعاية بأحد ، ولم يكن فيه ما يعاب إلا