كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 4 """"""
بدر : ما كنت لأصرفها عن ولد مولاي وولي نعمتي فلم يمكنه مخالفته لأنه صاحب الجيش ، وحقها عليه فلما مات المعتضد كان بدر بفارس فعقد القاسم البيعة للمكتفي ، وعمل على هلاك بدر خوفاً على نفسه أن يذكر للمكتفي ما كان منه .
وكان المكتفي مباعداً لبدر في حياة المعتضد ، فوجه إلى القواد الذين مع بدر يأمرهم بمفارقته والمصير إليه ، ففارقه جماعة وأقبلوا إلى المكتفي فأحسن إليهم .
وسار بدر إلى الموصل وواسط . فوكل المكتفي بداره ، وقبض على أصحابه وقواده فحبسهم ، وأمر بمحو اسمه من الأعلام والتراس . وسير الحسن بن علي إلى كورة واسط في جيش ، وأرسل بدر يعرض عليه أي النواحي شاء ، فأبى ذلك وقال : لا بد من المصير إلى باب مولاي فوجد القاسم مساغاً للقول ، وخوف المكتفي غائلته .
وبلغ بدراً ما فعل بأصحابه فأرسل من يأتيه بولده هلال سراً ، فعلم الوزير بذلك فاحتاط . عليه ودعا قاضي الجانب الشرقي وأمر بالمسير إلى بدر وأن يطيب قلبه عن المكتفي ويعطيه الأمان على نفسه وولده وماله ، فقال القاضي أبو حازم : أحتاج إلى سماع ذلك من أمير المؤمنين فصرفه ودعا أبا عمر القاضي ، وأمره بمثل ذلك فأجابه ، وسار بكتاب الأمان . فسار بدر عن واسط إلى بغداد فأرسل إليه الوزير من قتله ، فلما أيقن بالقتل سأله المهلة إلى أن يصلي ركعتين ، فأمهل حتى صلاهما . وضربت عنقه يوم الجمعة لست خلون من رمضان ، وأخذ رأسه وتركت جثته هنالك ، فوجه عياله من أخذها سراً وجعلوها في تابوت ، فلما كان وقت الحج حملوها إلى مكة فدفنوها بها - وكان أوصي بذلك - وأعتق كل مملوك له . ورجع أبو عمر إلى داره كئيباً لما كان منه ، وقال الناس فيه الشعر ، فمن ذلك قول بعضهم :
قل لقاضي المدينة المنصور . . . كيف أحللت أخذ رأس الأمير
عند إعطائه المواثيق والعه . . . د وعقد الأيمان في منشور
أين أيمانك التي شهد الل . . . ه على أنها يمين فجور
إن كفيك لا تفارق كفي . . . ه إلى أن ترى مليك السرير
يا قليل الحياء يا أكذب الأم . . . مة . . يا شاهداً شهادة زور
ليس هذا فعل القضاة ولا يح . . . سن أمثاله ولاة الجسور