كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
المقتدر رقعة يذكر أن الجيش عاتب منكر للسرف فيما يطلق باسم الحزم والحرم من الأموال والضياع ، ولدخولهم في الرأي وتدبير المملكة ، ويطالبون بخروجهم من الدار وأخذ ما في أيديهم من الأموال والأملاك ، وإخراج هارون بن غريب من الدار . فأجابه المقتدر أنه يفعل من ذلك ما يمكنه ويقتصر على ما لا بد له منه ، واستعطفه وذكره ومن معه بيعته التي في أعناقهم مرة بعد أخرى وخوفهم عاقبة النكث . وأمر هارون أن يخرج من بغداد وأقطعه الثغور الشامية والجزيرية فخرج في تاسع المحرم ، فعندها دخل مؤنس وابن حمدان ونازوك إلى بغداد ، وأرجف الناس أن مؤنساً ومن معه قد عزموا على خلع المقتدر . فلما كان في الثاني عشر من المحرم خرج مؤنس بالجيش إلى باب الشماسية فتشاوروا ساعة ثم زحفوا بأسرهم إلى دار الخلفية ، فلما قربوا منها هرب المظفر بن ياقوت الحاجب وسائر الحجاب والخدم والوزير ابن مقلة ، ودخل مؤنس والجيش إلى دار الخليفة وأخرج المقتدر ووالدته وخالته وخواص جواريه وأولاده من دار الخلافة ، وحملوا إلى دار مؤنس واعتقلوا بها . وبلغ الخبر هارون وهو بقطربل فدخل بغداد واستتر ، ومضى ابن حمدان إلى دار ابن طاهر فأحضر محمد بن المعتضد وبايعوه بالخلافة ولقبوه القاهر بالله ، وأحضروا القاضي أبا عمر عند المقتدر ليشهدوا عليه بالخلع وعنده مؤنس ونازوك وابن حمدان وبنى بن يعيش فقال مؤنس للمقتدر ليخلع نفسه من الخلافة فأجاب وأشهد عليه القاضي بالخلع . فقام ابن حمدان للمقتدر : يا سيدي يعز عليّ أن أراك على هذه الحال وقد كنتُ أخاف عليك وأحذرها وأنصح لك وأحذرك عاقبة القبول من الخدم والنساء فتؤثر أقوالهم على قولي ، وكأني كنت أرى هذا ، وبعد فنحن عبيدك وخدمك ودمعت عيناه وعينا المقتدر وشهد الجماعة على المقتدر بالخلع وأودعوا الكتاب عند القاضي أبي عمر فكتمه ولم يظهر عليه غيره . فلما عاد المقتدر إلى الخلافة سلمه إليه وأعلمه أنه ما أطلع عليه أحداً ، فاستحسن ذلك منه ، وولاه قضاة القضاة .
قال : ولما استقر أمر القاهر بالله أخرج مؤنس المظفر علي بن عيسى من الحبس وأقر أبا علي بن مقلة على وزارته ، وأضاف نازوك مع الشرطة حجبة الخليفة

الصفحة 44