كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)

"""""" صفحة رقم 46 """"""
حمدان ، فقال القاهر لنازوك : أخرج إليهم فسكنهم وطيب قلوبهم فخرج إليهم نازوك وهو مخمور قد شرب طول ليلته ، فلما رآه الرجالة تقدموا إليه ليشكوا إليه حالهم بسبب أرزاقهم فخافهم على نفسه وهرب منهم ، فطمعوا فيه وتبعوه ، فانتهى به الهرب إلى باب كان هو سده بالأمس فقتلوه عنده ، وقتلوا خادمه عجيباً وصاحوا : مقتدر يا منصور فهرب كل من كان في الدار من الوزير والحجاب وسائر الطبقات وبقيت الدار فارغة . وصلبوا نازوك وعجيباً بحيث يراهما من على شاطئ دجلة ، ثم صار الرجالة إلى دار مؤنس يصيحون ويطالبونه بالمقتدر بالله . وبادر الخدم فأغلقوا أبواب دار الخلافة وكانوا جميعاً خدم المقتدر ومماليكه وصنائعه وأراد ابن حمدان الخروج من الدار فتعلق به القاهر وقال : أنا في ذمامك فقال : والله لا أسلمك أبداً وأخذ بيده وقال : قم بنا نخرج جميعاً ، وأدعو أصحابي وعشيرتي فيقاتلون دونك فقاما ليخرجا فوجدا الأبواب مغلقة ومعها فائق المعروف بوجه القصعة ، فأشرف القاهر من سطح فرأى كثرة الجمع ، فنزل هو وابن حمدان وفائق فقال ابن حمدان للقاهر : قف حتى أعود إليك ونزع سواده وثيابه وأخذ جبة صوف لغلام هناك فلبسها ومشى نحو باب النوبى فرآه مغلقاً والناس حوله . فعاد إلى القاهر وتأخر عنهما وجه القصعة ، وأمر من معه من الخدم بقتلهما وأخذ بثأر المقتدر وما صنعا به ، فعاد إليهما عشرة من الخدم بالسلاح ، فعاد إليهم أبو الهيجاء وسيفه بيده فقاتلهم فقتلوه ، وهرب القاهر إلى آخر البستان واختفى .
وأما الرجالة فإنهم لما انتهوا إلى دار مؤنس وسمع زعقاتهم قال : ما الذي تريدون ؟ قالوا : نريد المقتدر فأمر بتسليمه إليه فامتنع المقتدر من ذلك وخاف أن تكون حيلة ، فحمل وأخرج إليهم فحملوه على أعناقهم حتى أدخلوه دار الخلافة . فلما حصل في الصحن التسعيني اطمأن وجلس وسأل عن أخيه القاهر وعن ابن حمدان فقيل إنهما حياة فأمنهما بخطه ، وأمر خادماً بالسرعة بكتاب الأمان لئلا يحدث على أبي الهيجاء حادث ، فمضى بالخط إليه فلقيه خادم ومعه رأسه فرجع به إلى المقتدر ، فلما رآه استرجع وقال : ما كان يدخل إلى ويسليني ويطهر لي الغم غيره ثم أخذ القاهر واحضر إلى المقتدر فأجلسه إلى جانبه وقبل جبينه وقال : قد علمت أنك لا ذنب لك وأنك قهرت ولو لقبوك بالمقهور كان أولى بك من القاهر والقاهر يبكي ويقول : يا أمير المؤمنين نفسي نفسي اذكرن الرحم التي بيني وبينك فحلف له أنه لا يناله أبداً ، فسكن .

الصفحة 46