كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 23)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
قال : ثم أخرج رأس نازوك ورأس أبي الهيجاء وشهرا ، ونودي عليهما هذا جزاء من عصى مولاه وأما بني بن يعيش فإنه كان من أشد القوم على المقتدر بالله ، فهرب عن بغداد وغير زيه وسار حتى بلغ الموصل ومنها إلى أرمينية ، وسار حتى دخل القسطنطينة وتنصر . وهرب أبو السرايا نصر بن حمدان أخو أبي الهيجاء إلى الموصل وسكنت الفتنة . وعاد الوزير ابن مقلة إلى وزارته ، وكتب إلى البلاد بهذه الحادثة ، وأطلق للجند أرزاقهم وزادهم وباع ما في الخزائن من الأمتعة والجواهر ، وأذن في بيع الأملاك من الناس فبيع ذلك بأرخص الأثمان لتتم أعطياتُ الجند . وقيل إن مؤنساً المظفر لم يكن مؤثر لما جرى على المقتدر من الخلع ، وإنما وافق الجماعة مغلوباً على رأيه ولعلمه أنه إن خالفهم لم ينتفع به المقتدر فوافقهم ليأمنوه وسعى مع الغلمان المصافية والحجرية ووضع قوادهم على أن عملوا ما عملوا ، فلهاذا أمنه المقتدر . وأما القاهر فإن المقتدر حبسه عند والدته فأحسنت إليه وأكرمته ووسعت عليه النفقة واشترت له السراري والجواري للخدمة وبالغت في إكرامه نعود إلى بقية حوادث سنة ست عشرة وثلاثمائة فيها وصل الدمستق في جيش كبير من الروم إلى أرمينية فحصروا خلاط فصالحه أهلها ، وأخرج المنبر من الجامع وجعل مكانه صليباً و رحل إلى بدليس ففعل بها مثل ذلك وخافه أهل أرزن الروم وغيرهم ، ففارقوا بلادهم ، وانحدر أعيانهم إلى بغداد فلم يغاثوا .
وفيها وصل سبعمائة رجل من الروم والأرمن إلى ملطية ومعهم الفؤوس والمعاول وأظهروا أنهم يتكسبون بالعمل ، ثم ظهر أن مليحاً الأرمني صاحب الدروب وضعهم ليكونوا بها ، فإذا حضر سلموها إليه ، فعلم بهم أهل ملطية فقتلوهم عن آخرهم .
وفي سنة سبع عشرة جاء أبو طاهر القرمطي إلى مكة يوم التروية فنهب أموال الحجاج ، وقتلوهم حتى في المسجد الحرام وفي البيت ، وقلع الحجر الأسود ، وفعل ما نذكره إن شاء الله تعالى في أخباره .