كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
ثم ورد من مصر رسولان من نزار إلى المنصور في سنة سبع وسبعين أحدهما رجل كتامي يعرف بأبي العزم ، ورجل من عبيدهم يقال له محمد بن ميمون الززان ، ومعهما سجلات إلى المنصور . فقيل : إنهما أمراه عن نزار ألا يعرض لأبي الفهم ولا لكتامة . فشتمهما المنصور وأسمعهما مكروهاً وقال : " أبو الفهم وكتامة فعلوا وفعلوا " . وأغلظ لهما في القول ولمن أرسلهما .
فأقاما عنده شعبان وشهر رمضان . ومنعهما من الخروج إلى كتامة وأبي الفهم . وقال : " امضيا معي إليه حتى تريا ما يكون منه " . ثم تهيأ المنصور للخروج إلى كتامة وأبي الفهم ، وقد تفاقهم أمره ، وظهرت سكته ، وصار حوله جيوش عظيمة . فسار المنصور حتى وصل إلى بلاد كتامة . وتثاقل في سيره حتى دخل سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة . فلما قرب من ميلة عزم على قتل أهلها ، فخرج إليه النساء والأطفال . فلما رآهم بكى وكف عنهم القتل . ونهبت العساكر كلّ ما فها . وأمر بهدم سورها فهدم . ونقل أهلها إلى باغاية ، فاجتمعوا ومضوا إليها وقد سلم لبعضهم ما خف من عين وورق وغير ذلك . فلقيهم ما كسن بن زيري بعسكره فأخذ كل ما كان معهم .
ثم رحل المنصور إلى داخل بلد كتامة ، فجعل لا يمر للكتاميين بمنزل ولا بصر ولا دار إلا أمر بهدم ذلك وتحريقه بالنار ، ومعه أبو العزم وابن ميمون ينظران إلى فعله ، ويقول لهما : " هؤلاء الذين زعمتما أنهم يمضون بي بحيل في عنقي إلا مولاكما " . وكانا قد خاطباه بذلك لما اجتمعا به .
وسار حتى بلغ مدينة سطيف وبها جمعهم ، فحاربهم وظفر بهم وهزمهم ، وهرب أبو الفهم إلى جبل وعر . فأرسل إليه المنصور من أخذه وجاء به إليه . فأدخله إلى حرمة فضربنه ضربا شديدا ، حتى أشسرف على الموت . ثم أمر المنصور بإخراجه وقد بقيت فيه حشاشة من الروح فنحره وشق بطنه . وأخرجت كبده فشويت وأكلت . وشرح عبيد المنصور لحمه وأكله حتى لم يبق إلا عظامه . وذلك في يوم الثلاثاء لثلاث خلونمن صفر سنة ثمان وسبعين . وقتل جماعة من وجوه كتامة ، وأنزل بهم الذل والهوان . وولي بلدهم أبا زعبل بن مسلم وأولاده . وبقيت ميلة خرابا ثم عمرت بعد ذلك .