كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 108 """"""
ورحل باديس حتى نزل بمكان يسمى قبر الشهيد . فوصل إليه جماعة كثيرة من عسكر حماد . ثم ورد عليه كتاب من حماد على يد أبي مغنين الوتلكاتي يذكر فيه أنه على الطاعة ، وأنه كان قد هيأ هدية في جملتها ألفا برذون وغير ذلك لينفذها إلى المنصور ، إلى أن وافاه إبراهيم واعتذر أعذاراً كثيرة ، فخافها ما يظهر من أفعاله . وذلك أنه أحرق الزرع ، وسبي الذراري ، وسفك الدماء . وتواترت أصحابه واصلين إلى باديس متنصلين من فعله .
ورحل باديس حتى صار بينه وبين حماد مرحلة واحدة ، وقد بلغ عسكر حماد ثلاثين ألف فارس ، غير من لحق بباديس وغير الراجل .
قال : وورد الخبر وهو بتامديت بوفاة ابنه المنصور بجدري أصابه فكتم أصحابه عنه ذلك . فبعث إليه إبراهيم يقول : " إن ولدك الذي طلبت له ما طلبت قد مات " . فما تضعضع لذلك ، وتلقاه بالصبر والشكر ، وجلس للعزاء ، وذلك لخمس خلون من صفر .
ثم سار ونزل بمدينة دكمة . وجاءه جماعة من أقارب حماد وخواصه ورجال دولته ، وكتاب من قبل خلف الجيزى ، وهو الوالي على مدينة آشير ، وكان عند حماد أقرب من الولد لا يوازيه في رتبته أحد ، يذكر أنه منع حماداً من الدخول إلى مدينة آشير وأغلقها دونه . فكان ذلك أول الفتح وأعظم الظفر .
قال : فلما رأى حماد مخالفة خلف عليه مضى إلى تاهرت . ورحل باديس يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الأول . فنزل مدينة المحمدية وهي المسيلة . فأقام بها ستة أيام ثم زحف إلى القلعة . ورجع من غير قتال .
ثم أنفذ باديس أخاه كرامت إلى المدينة التي أحدثها حماد . فخرج إليها في عسرك كثير ، فهدم قصورها ومساكنها جزاء لما فعله حماد وأخوه في البلاد . ولم يتعرض لأخذ مال ولا سفك دم . واتصل ذلك بإبراهيم ، فأقبل يهدم كل قصر كان لأخيه خارجاً عن القلعة ، مخافة أن يسبقه كرامت إليه . وهرب من القلعة جماعة إلى باديس وتركوا نساءهم وأولادهم وأموالهم . فأقبل إبراهيم يذبح الأولاد على صدور أمهاتهم ، ويشق بطونهم . وفعل أفعالاً شنيعة .
قال : ورحل باديس إلى آشير ثم منها إلى وادي شلف . ونزل حماد في الجبهة الأخرى من الوادي . ورتب كل منهما عساكره وعبأها وتهيأ للحرب . والتقوا في يوم

الصفحة 108