كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 125 """"""
وخرج الناصر من ساعته ومعه ابن البعبع إلى بجاية ، وترك الوزير بالقلعة . فوصلا إليها . ورسم ابن البعبع المدينة والصناعة والميناء وموضع القصر واللؤلؤة . وأمر الناصر من ساعته بالبناء والعمل . وشكره وأثنى عليه ، وعاهده على وزارته . ورجعا جميعاً إلى القلعة .
وأحضر الوزير وقال : هذا محب لدولتنا ناصح في خدمتنا . وقد أشار علينا ببناء بجاية . وعزم على الانتقال إلينا بالأهل والولد . فاكتب له جواب كتبه إلى تميم . وأمر له بألف دينار ، وأربع وصائف ، وأربع بغال من مراكبه .
وسار ابن البعبع فوصل إلى المهدية بكتب ناقصة وصلة تامة . فاستراب به تميم . وسأله عن بناء بجاية وسببه ، فقال : يا مولاي ، مالي بهذا علم . أنا رجل غريب . فتحقق تميم أنه الذي أشار عليه ببنائها . وخرج ابن البعبع إلى داره خائفاً وجلا .
وكان لما فارق الناصر سأله أن ينفّذ معه رجلاً من ثقاته ينفذ معه ما يعاين من الأخبار . فنفّذ معه رجلاً . فلما خرج إلى داره كتب إلى الناصر : إنني لما وصلت إلى تميم لم يسألني عن شيء قبل سؤاله عن أمر بجاية ، إنه قد وقع على قلبه منها أمر عظيم . وقد اتهمني فانظر من تثق به من العرب ممن يصل إلى أولاد عكابش ، فإنني خارج إليهم مسرعاً ، وقد عاهدتهم على ذلك . فتنفذ من بني هلال من تثق به . وقد أوثقت شيوخ زويلة وغيرها على طاعتك . فالله الله أسرع إلي بمن ذكرت .
قال : فمضى الرسول بالكتاب فقرأه الناصر وأوقف الوزير أبا بكر عليه . فاستحسن الوزير ذلك منه وقال : لقد خدم هذا الرجل ونصح . فقال الناصر : خذ الكتاب إليك ، وجاوب الرجل عنه ، وانظر في إنفاذ العرب إليه قولاً وفعلاً ، ولا تؤخر ذلك عنه . فمضى الوزير إلى داره وكتب نسخة كتاب ابن البعبع ، وحكاها حتى كأنها هي ، خشية أن يسأله الناصر عن الكتاب بعد ذلك . وأنفذ كتابه الذي بخطه إلى تميم وكتب كتاباً منه يصف الحال من أوله إلى آخره .
فلما وقف تميم على ذلك ، عجب منه وبقي يتوقع له ما يأخذه به . وجعل عليه من يحرسه في ليله ونهاره من حيث لا يشعر . فأتاه بعض الحرس وأخبره أن ابن

الصفحة 125