كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 24)

"""""" صفحة رقم 126 """"""
البعبع صنع طعاماً وأحضر عنده الشريف الفهري - وكان هذا الشريف من خواص تميم - فلما أصبح استدعاه تميم . فحضر وقال : يا مولاي ، ما كنت إلا واصلاً إليك .
وحدثه أن محمد بن البعبع دعاني وقال لي : أنا في ذمامك وحسبك ، أحب أن تعرفني من أين أخرج من المهدية ، فأنت أعرف الناس بذلك . فقلت له : ولم تفعل ذلك ، وأنت في هذه المنزلة الكبيرة مع مولانا تميم ؟ فقال : إنه اتهمني أنني أشرت على الناصر ببناء بجاية ، وقد خفت . فقلت له : يا أبا عبد الله ، إن كنت سالماً من قول قلته أو أمر أبرمته فلا تبال ، فسيدنا تميم رجل رؤوف لا يؤاخذ بقول ولا بظن . فقال لي : دعني فلا قدوة لي على المقام . فقلت له : أنا أنظر في هذا الأمر بالغداة إن شاء الله وأعرفك بمن تثق به من العرب . فأخذ يدي على ذلك . قال : فأخرج تميم كتاب ابن البعبع الذي بخطه إلى الناصر وأوقف الشريف عليه . ثم قال له : أحضره إلي . فمضى الشريف إليه وقال له : سيدنا تميم أمر بحضورك معي ولا يكون إلا خيراً فلبس ثيابه وخرجا . فلقيهما ماضي بن عكابش فقال له : يا أبا عبد الله ، الهلاليون قد وصلوا إلينا البارحة ، وهذه كتب قد وصلت إليك منهم . فتناولها الشريف من يده فقال له ابن البعبع : استر على ستر الله عليك . وسأله . فدخلا القصر وابن البعبع يسأله فيها . فقال : خذها فو الله ما ينفعك أخذها . فتناولها .
وخرج تميم إليهما فجزع ابن البعبع حتى سقطت الكتب من يده وإذا عنوان أحدها : من الناصر بن علناس إلى شيخنا وخليلنا فقال له تميم : من أين هذه الكتب ؟ فسكت . فقرأها تميم فوجد فيها الحجة عليه . فقال ابن البعبع : العفو يا مولانا . فقال لا عفا الله عنك ؟ وأمر بضرب عنقه وتغريق جثته .
ذكر استيلاء تميم على مدينة تونس
وفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، سير تميم عسكراً كثيفاً إلى مدينة تونس . فأقام محاصراً لها مضيّقاً عليها سنة وشهرين . وكان بها أحمد بن خراسان وقد أظهر الخلاف .
وسبب ذلك أن المعز بن باديس أبا تميم - لما فارق القيروان والمنصورية ورحل إلى المهدية - استخلف على القيروان وعلى تونس قائد بن ميمون الصنهاجي . فأقام بها ثلاث سنين ثم غلبته هوارة عليها ، فسلمها إليهم وخرج إلى المهدية . فلما ولي تميم بعد أبيه رده إليها ، فأقام بها مدة ست سنين . ثم أظهر الخلاف على تميم وأطاع

الصفحة 126